ومن هنا لا يبعد بنا الحوار عن ذلك الذي أجراه أبو زيد والهلالية مع حارس بوابة تونس الذي رفض دخولهم بأمر الزناتي.
ويبدو أن الهدف الرئيسي لأبي زيد الهلالي المتنكر وسط جوقة نساء بني هلال، لم يكن قاصرا على مجرد التسلل المتنكر إلى داخل بوابات تونس، بل هو كان التلصص أو التجسس لجمع المعلومات من عيون بني هلال وبصاصيهم داخل أكثر أماكن الأعداء اقترابا وحساسية، أي مخدع الأميرة الوريثة سعدى ابنة الزناتي خليفة ووصيفتها - الهلالية - مي، والأمراء الأسرى الثلاثة، يونس ومرعي ويحيى.
ذلك أنه بينما تخبرنا السيرة برفض البواب الموكل بالباب فتحه لهم أو لهن، فعاد أبو زيد والجازية والبنات من جديد إلى ربع أو مضارب بني هلال مخفقين.
ذلك أن أخبار مثل هذا الإخفاق بعدم الدخول، تواتر من فوره إلى سعدى وفتيان بني هلال، حتى إن مرعي ضغط على حبيبته سعدى، وحملها على الاتصال هي بنفسها بالهلالية، وإبلاغهم بأهمية التغيير في خططهم الحربية، ورأب الصدع من جديد بين قطبي التحالف - القحطاني اليمني والقيسي، أو السعودي اليوم - وإعادة مصالحة دياب بن غانم، ودفعه إلى المقدمة. «مرعي قالت له سعدى: لا أبكى الله لك عينا. فقال لها: يا سعدى، إلى متى الانتظار، وقد طال علينا المطال، وأبوك لا يطلع على محاربة أبي زيد، ولا يفتح الباب؟ فضحكت سعدى، وقالت: أنا أفض هذا المشكل؛ لأن مرعي ما يقتل أبي إلا الأمير دياب؛ لأن بان عندي في الكتب، ولكن سأروح الليلة لعند أبوك، وأدعيه يحجب دياب. فلما دخل الليل، استعدت سعدى على أربعين بنت من بنات الأمارة مثل الأقمار، فلما حضروا أقبلوا ونادتهم، وقالوا: ما تريد؟ فقالت لهم: أريد آخذكم معي، تتفرجوا على بنات بني هلال، والأمير حسن أبو المحابيس الذي عندنا، ونرجع في هذا الليل. فقالوا: سمعا وألف طاعة. ثم أمرت لهم بأربعين خلعة من خاص الحرير والديباج الملون، وأمرت بأربعين جوادا من خير الجياد، فصاروا يأخذون العقول، وركبت سعدى أمامهم مثل البدر المنير؛ لأنه ما كان يوجد في عصرها أحلى منها، وتقلدت البنات بأفخر السلاح، وساروا حتى وصلوا إلى باب البلد، وقالت للبواب: افتح الباب، إياك تتكلم قدام أحد، أعدمك الحياة. فقال لها: يا ستي ما في تعب من فتح الباب إن أردت تروحي أو تعدي، ولكن المفاتيح مع أبيك أخذهم مني. فقالت: أنا لا أحتاج إليهم. وتقدمت للباب وضربته، انفتح من وقته، وخرجت هي والبنات، وأمرت عبدها الطواشي يقعد على الباب لحين رجوعهم، فقفل الباب، وقعد ينتظرهم إلى الرجوع، فعند ذلك سارت سعدى هي والبنات حتى وصلوا لعند الحارس، فقال: ما هذه الخيل في هذا الليل؟ فقالت له سعدى: ضيوف. فقال: مرحبا بالضيوف. فقالت: أين ملوك الأمير حسن؟ فقال لها: نايم. فقالت له: ادخل عليه، وقل له سعدى بنت الزناتي تريد تواجهك، وترجع بالليل. فقال لها: انتظري وراء الستار. ودخل لعند جارية اسمها مباركة، وقال لها: اعلمي أن بنت سلطان تونس حضرت لعندنا، ودخلت وأعلمت مولاها حسن. فتعجب حسن من حضورها بالليل، فخرج وقال لسالم: مالك؟! فأنشد سالم يقول:
يا أسير جانا سرية خطارة
ملوك منتظرين قطارة
يا أمير جانا من بلاد بعيد
وأنا بأمري يا ملك محتارة
ارتاح قلبي من نظرهم يا ملك
شبهتهم يا أمير شعلة نارا
অজানা পৃষ্ঠা