285

وقد أخبرني من أثق به أن خيل الإمام عليه السلام كانت يومئذ قريبا من ثمانمائة فارس من فرسان الشرف والعرب والأسد وممالكيه، فلما علم الغز بذلك ولوا مدبرين في الليلة التي يسفر عنها السبت الثالث عشر من شهر المحرم أول سنة إحدى وخمسين وستمائة سنة، فلحق العسكر [96أ-أ]من أثاثهم وانتهبوا أشياء من أثقالهم ولحقهم الناس بعض نهار فلم يظفروا منهم بشيء؛ لأن القوم أسرعوا من تحت الليل وقد كان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام استدعى الأمير الكبير المتوكل على الله أحمد بن الإمام المنصور بالله عليه السلام وكان في حصن ظفار واستنجده لحرب أعداء الله فلبى دعوته وأسرع اجابته وأمر له أمير المؤمنين بشيء من المال يستعين به ويتجهز للجهاد، فلما وصل إليه إلى صنعاء لم يلبث أن جهزه أمير المؤمنين في عصابة من أهله وبني عمه وأضاف إليهم من فرسان العرب من أمكن وأمره بالنهوض في يوم الإثنين ثامن المحرم سنة إحدى وخمسين وستمائة وجهز بعده الشريف الأمير الحسيب جمال الدين توران بن قاسم بن يحيى بن حمزة بن أبي هاشم الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن القاسم ترجمان الدين عليهم السلام في عسكر وأمره أن يلحقه وأمر بتعظيم الأمير المتوكل وإنصافه وإنفاذ أمره، فبلغ العلم إلى أمير المؤمنين بهرب الأعاجم قبل وصول الأمير المتوكل وجماعته، ولما اجتمعت العساكر في ذمار لم يلبث أسد الدين محمد بن الحسن بن رسول أن نهض قاصدا إلى صنعاء إلى الإمام، فلما علم الإمام بإقباله كره ذلك واشتغل خاطره فأمر إليه بالوقوف فلما يساعد إلى شيء من ذلك برواية أن من شياطين الإنس من كان قد أسر إليه من ابن عمه سلطان اليمن ومناه بأمور وقد ظهر ذلك من فعله على ما سنذكره من بعد، فلما وصل إلى أمير المؤمنين إلى صنعاء لقيه عليه السلام وأكرمه وعظمه وأنصفه، ثم إن أمير المؤمنين عليه السلام أمره بالنهوض إلى التهايم وحرب ابن عمه من تلك النواحي فأظهر الإمتثال لأمر الإمام وتعلل بممالكيه وأجناده وأنهم يطلبون مالا وحرابا وأشياء كثيرة عددها فلم يبعد أمير المؤمنين مما طلبه فأمر له بشيء من مطارف الحرير وشيئا من الدراهم قريبا من ستة عشر ألفا وأمر أمير المؤمنين إلى ناحية المغرب الى ابن عمه الأمير علم الدين أحمد بن القاسم أن يطلب ذلك من الناس وأن يجهزه ويبالغ في إنصافه.

قال السيد شرف الدين يحيى بن القاسم رضي الله عنه: كنت المتوسط في ذلك فلما بلغت إلى جهة المغرب وأعلمت الناس بذلك بادر الناس إلى ذلك وأحبوه ورأوا نكاية العدو مغنما، فلما تبين لأمير المؤمنين أن الأسد في واد غير ما يطلب منه كان منه على حزم إلى أن ظهرت فضيحته وبان مكره وغدره، وسيأتي الكلام في إيضاح غدره ونكثه.

قال الراوي: وقد كان سلطان اليمن جهز عسكرا إلى حواز البلاد المغربية وقدم فيهم عمارة الأصبهاني وكان من أشد الناس عداوة لأمير المؤمنين وأعظمهم فسادا وأشدهم ارتكابا للخبائث من شرب الخمر واللواط، وجميع الحناثات فلما حطوا موضعا بين المخلافة وجبل تيس وقد كان اجتمع معهم من الحرابة وغيرهم خلق كثير لم ير الأمير المقدام علم الدين [96ب-أ] أحمد بن القاسم بن جعفر إلا أنه يقصدهم بنفسه فجمع عسكرا عظيما وقصدهم بنفسه من تحت الليل فالتقى أول العسكر بمركز القوم بعيدا من المحطة فقتل منهم جماعة ونهبوا وطار بعضهم بنفسه في شواهق الجبال، فلما سمع أهل المحطة أصوات القوم ركبت الخيل واستعدوا فلم يظفر منهم بطايل، فلما عاينوا من الأمير المقدم الذكر من شدة البأس علموا أنه يشفع الوقعة بأخرى فولوا هاربين إلى التهايم وبلغ العلم إلى أمير المؤمنين بذلك فاستر المسلمون بذلك سرورا عظيما.

পৃষ্ঠা ২৯৯