ابن شهاب الزهري (١٢٤ هـ/ ٧٤١ م) في السيرة في كتاب المصنّف لعبد الرزاق ابن همام الصنعاني (٢١١ هـ/ ٨٢٦ م)، ويعتبر كل من موسى بن عقبة (١٤١ هـ/ ٧٥٨ م) ومحمد بن إسحاق (٨٥- ١٥١ هـ/ ٧٠٥- ٧٦٨ م) أهمّ ممثّلي المرحلة الثانية من مراحل كتابة السيرة، وأقدم من كتب في ظل العباسيين، وقد وصلت إلينا قطعة صغيرة من كتاب موسى بن عقبة في المغازي نشرت سنة ١٩٠٤ م. ومن دراسة هذه القطعة يتبين اهتمام موسى بالترتيب الزمني وبذكر تواريخ الحوادث، وباستعماله للأسانيد بدقة، ثم باعتماده شبه الكلي على شيخه الزهري «١» .
مهما تكن أهمية أعمال أمثال الزهري وموسى بن عقبة، فإن عمل ابن إسحاق يبقى الأساسيّ فيما يتصل بالسيرة وإلى حدّ ما بالتاريخ. وتكمن أهميته كمؤرّخ في استيعابه لتجارب شيوخه، وفي تطويرها وإعادة تنظيمها من خلال فهمه الجديد للتاريخ، ومن خلال نظرته الشاملة النابعة من ثقافته الواسعة وإدراكه للمغزى السياسي «للصورة التاريخية» . من هنا صار ابن إسحاق شيخ كتّاب السيرة، وصار من كتبوا بعده عيالا عليه. وقد شعر كاتب سيرة كابن سيّد الناس بعد ذلك بقرون أنّ سيرة النبي نفسها وقيمتها التاريخية تتعرضان للخطر إن تعرضت الثقة بابن إسحاق المؤرّخ للتساؤل، لذا فقد رأى واجبا عليه أن يعقد في مطلع سيرته فصلا للدفاع عن ابن إسحاق في وجه ناقديه «٢» .
_________
(١) عن كتاب السيرة الأوائل، قارن مقالات هوروفتر في II I Culture Islamic وقد ترجمها د. حسين نصار بعنوان «المغازي الأول ومولفوها» ١٩٤٩. وقارن، عبد العزيز الدوري: علم التاريخ عند العرب ٢٠- ٢٧.
(٢) عيون الأثر ١/ ١٠- ١٧.
1 / 9