كان لا بدّ من هذه المقدمة الموجزة للوصول إلى التساؤل الملحّ فيما يتصل «بالوعي التاريخي» عند العرب وجودا وأساسا وتطوّرا. نحن نعرف الآن من خلال النقوش العربية الجنوبية أنّ الجنوبيين كانوا يؤرخون لكل شيء «١»، كما أن الكتابات العربية الشمالية الأولى مؤرّخة. ثم إننا نعرف أن المكيين كانوا يتداولون قصصا وأسمارا فيما بينهم بعضها يتصل بماضي الجزيرة والآخر بالدول والحضارات المجاورة. وعندما توفي النبي وبدأ تكوين الأساس الإداري للدولة العربية- الإسلامية الجديدة سارع الخليفة الثاني عمر بن الخطاب إلى اعتبار الهجرة النبوية من مكة إلى المدينة بداية تاريخية للدولة الجديدة والدعوة الجديدة.
الوعي التاريخي العربي الأوّلي الذي نشأ نتيجة إحساس مكة والشماليين بأنفسهم تدعّم بالدعوة الجديدة ونشأة مفهوم «الأمة» والدولة. يضاف إلى ذلك أن الصراعات القبلية بدأت مع الفتوحات وإنشاء الأمصار، كما بدأ صراع بين السلطة المركزية من جهة ورجال القبائل من جهة أخرى. وطبيعي أن تحاول كل قبيلة إنشاء «صورة تاريخية» خاصة بها دفاعا عن الذات، في الوقت الذي كانت فيه السلطة تحاول القيام بالأمر نفسه. هذا كله يدفعنا إلى القول بأنّ الوعي التاريخي العربي كما بدا في كتابات مؤرخي القرن الثاني الهجري هو وعي أصيل نشأ في البيئة العربية، وإن يكن قد تعرّض لتأثيرات خارجية فلا شك أن هذه التأثيرات بقيت عرضية «٢» .
أولى الاهتمامات التاريخية في القرن الأول الهجري كانت بالسيرة النبوية،
_________
(١) قارن بروزنتال: علم التاريخ عند المسلمين ٢١- ٢٢ (ترجمة د. العلي) .
(٢)
Islam Before Unity Arab of Nature The Grunebom-. ٣٦٩١ X Arabica:in
روزنتال: علم التاريخ عند المسلمين ٣٣ وما بعدها.
٣٤- ٨٣ Islam in Consciousness Historical.W Braune- von.E.G.de (Islam in Law and Theology:in.٩٦٩١ II) Grunebaum
1 / 7