سرده للنسب الشريف: «قال أبو محمد عبد الملك بن هشام: حدثنا زياد بن عبد الله البكّائي عن محمد بن إسحاق المطلبي بهذا الذي ذكرت من نسب محمد رسول الله- ﷺ إلى آدم ﵇» . وهنا يبين ابن هشام خطته في الكتاب كله فيقول: «.. تارك بعض ما ذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب مما ليس لرسول الله ﷺ فيه ذكر، ولا نزل فيه من القرآن شيء، وليس سببا لشيء من هذا الكتاب ولا تفسيرا له ولا شاهدا عليه لما ذكرت من الاختصار، وأشعارا ذكرها لم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به وبعض يسوء بعض الناس ذكره، وبعض لم يقرّ لنا البكّائي بروايته، ومستقص- إن شاء الله تعالى- ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له، والعلم به..»، وقوله «.. وبعض لم يقرّ لنا البكّائي بروايته» يدل على أنه كان على صلة ما بالبكائي لكن نوع الصلة هذا لا يمكن تحديده بدقة كما ذكرنا سابقا. والحرية التي يظهرها ابن هشام بعدم ذكره للأسانيد ربما لم تعد إليه، بل مما خلّفه ابن إسحاق في النص، وقد أكدنا سابقا على أن طبيعة المادة المكتوبة كانت تقتضي طرائق جديدة تخرج بعض الشيء على طرائق المحدّثين، ثم إن علم الإسناد لم تكن أسسه قد استقرت تماما في عصر ابن إسحاق. إهمال ابن هشام للإسناد لا يشكّل إذن والحالة هذه إشكالا لا يمكن تخطّيه، لكن مما يؤسف له لجوؤه إلى حذف الكثير من مادّة ابن إسحاق التي اعتبرها غير ضرورية، ثم صيرورته إلى تعديل بعض الأخبار أو تعديل ألفاظها حسبما فهمها ليكسبها قبولا أو وضوحا رأى أنها تفتقر إليهما. ولا شك أن تعديلاته وشروحه هذه تأثرت ببيئته الثقافية وطبيعة العصر الذي عاش فيه، هذا وإن يكن جيله هو الجيل التالي لجيل ابن إسحاق. كانت اهتمامات ابن هشام اهتمامات لغوية وقد أثّر ذلك تأثيرا كبيرا على طريقته في اختيار الأخبار وفي إيرادها.
وقد ذهبت بعض اهتمامات ابن إسحاق التاريخية والإخبارية ضحية دقة ابن هشام اللغوية. ولعله من المفيد أن نقارن عمل ابن هشام ليس فقط بالقطع الباقية من
1 / 15