يقول الرسول ﷺ إن عليا خير الوصيين، كما أنّ سبطيه خير الأسباط، بينا يذهب ابن إسحاق في رواية في نسخة محمد بن سلمة الحرّاني إلى أن قوله تعالى في سورة الأنفال (رقم ٦٩) «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»، نزل في العباس الذي كان يقول: في نزلت حين ذكرت لرسول الله ﷺ إسلامي وسألته أن يقاصّني بالعشرين أوقية التي أخذ مني.. الخ. ويدل هذا على ميول عباسية للمؤلف لم تكن في نسخته الأولى. أما رواية البكائي فلم تصل إلينا للأسف في شكلها الأول بل نالها تعديل ابن هشام واختصاره.
على أنّ رأينا هذا يبقى على كل حال عرضة للنقاش لأننا لا نملك حتى الآن نسخة كاملة لإحدى الروايات الثلاث بحيث تمكن المقارنة، ويمكن التحقق التام.
معلوماتنا عن ابن هشام الذي هذّب رواية البكّائي قليلة، وقد ذكر السهيلي في «الروض الأنف» أنه كان يدعى عبد الملك بن هشام، وأنه كان مشهورا بحمل العلم، متقدما في علم النسب والنحو. وهو حميريّ معافريّ بصريّ الأصل، مصري المنشأ والوفاة. وزاد ابن خلكان نقلا عن ابن يونس صاحب «تاريخ مصر» أنه توفي لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الآخر سنة ثماني عشر ومائتين، بينا أكّد السهيلي وفاته عام ٢١٣ هـ «١» . ويبدو أن عبد الملك بن هشام صادف أمامه عند ما أراد تهذيب سيرة ابن إسحاق نصّ رواية البكّائي لها مكتوبا، ولا ندري كيف أخذه عن البكّائي، هل بطريق السماع والرواية أم بطريق «الوجادة» و«الإجازة» . إنه لا يصرّح على أي حال بشيء من ذلك في مطلع تهذيبه، يبدأ هكذا: «قال أبو محمد عبد الملك ابن هشام: هذا كتاب سيرة رسول الله ﷺ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، واسم عبد المطلب شيبة بن هاشم، واسم هاشم عمرو..»، ثم يقول بعد انتهاء
_________
(١) وفيات الأعيان ١/ ٢٩٠، الروض الانف ١/ ٧.
1 / 14