روى لي يوما أن طفلة خرجت من بيت قوم صالحين، فرأت رجلا يأكل بالنهار، في غير شهر رمضان فقالت لأهلها: إني رأيت رجلا يأكل بالنهار، لعله يهودي، فقالوا لها: مهلا نستغفر الله (العظيم) (1)، أنكرت الطفلة ذلك؛ لأن أهلها لا يفطرون (في النهار) (2) بل يصومون الدهر، ولم يضفها إلى اسم رجل ولا إلى كتاب؛ لأنه (رحمه الله تعالى) (3) كان ما يروي شيئا إلا يسنده إلى رجل أو (كتاب) (4) فظننت والله أعلم - أن الطفلة من أهل بيتهم كما مر في فضلهم وزهدهم. سمعته رحمه الله تعالى(5) يقول: قال صلى الله عليه وآله وسلم: ((من صام لله يوما محتسبا بعده الله من النار خمسمائة عام))(6)، وقال لي يوما: يا يحيى، كم من مرة أسابق الفجر على عشاي، وقد ظهر لي أنه طوى مرة ثلاثة أيام ومرة خمسة أيام لا يذوق فيها طعاما ولا غيره لمسابقته لطلوع الفجر كما قدمت، وقال لي يوما: كان سهل (القشري)(7) يطوي نيفا وعشرين يوما لا يأكل فيها قال: واقسم عبد الواحد بن زيد(8) رحمه الله تعالى(1) بالله إنما صافى الله عبدا إلا بالجوع، ولا والاهم إلا بالجوع، ولا طويت لهم الأرض إلا بالجوع، (قال)(2): ولا مشوا في الهوى إلا بالجوع، قال: وذكر أبو طالب المكي في ( قوت القلوب): مثل البطن مثل المزهر- وهو العود المجوف ذو الأوتار- وإنما حسن صوته لخفتة ورقتة وخلاء جوفه، فكذلك الجوف إذا خلا كان أعذب للتلاوة، وأدوم للقيام، وأقل للمنام، وقال: روي أن عيسى عليه السلام قعد يناجي ربه ستين صباحا ماطعم فيها شيئا فخطر بباله الخبز، فانقطع عن المناجاة، وموسى عليه السلام لما ترك الأكل أربعين يوما قربه الله نجيا. وجد في مسوداته بعد موته قال: فصل من كلام أهل إلاشارة. قال: سئل يحيى بن معاذ(3) عن الصوم؟ فقال: صوم العامة عن الطعام والشراب، وصوم الخاصة صوم العبودية، فيفطرون بذكره من حلاوة الخدمة، ويجلسون على مائدة النعمة، ويأكلون من ثمار الحرمة، ويشربون من عين المحبة، ويقومون بشكره، وينامون بأنسه، ويستضيئون بضوء التوفيق، ويتسحرون بالشوق، ويصلون ركعتين ركعة من خوف القطيعة، وركعة رجاء الوصلة، ثم يسلمون على أيمانهم بالانقطاع عن الدنيا وعن شمائلهم بالانقطاع إلى الآخرة، ثم يقولون: لبيك، من نفسي وروحي، لبيك ، من قلبي (و) (1)عقلي ما دام الروح في جسدي، فإذا كان (ذلك) (2) فهو من أهل هذه الآية قوله تعالى: {والذي هو يطعمني ويسقين، وإذا مرضت فهو يشفين} [الشعراء:79، 80] (من مرض القطيعة برجاء الوصلة) (3) أي يطعمني من حلاوة الخدمة، (ويسقيني)(4) من عين المحبة، (ويشفيني)(5) من مرض القطيعة برجاء الوصلة، وأراني في كتاب قد علمه، قال أبو سليمان الداراني: مثل الجوع مثل الرعد، والقناعة مثل السحاب، والحكمة (بالمطر)(6) إلى غير ذلك من فوائد علمه، وأوراده الصالحة.
পৃষ্ঠা ১৩১