رمت لوسيل نفسها على صدر أخيها، فطوقها بذراعيه يقبلها وتقبله، وعاشت ما تبقى من حياتها قربه.
أما توفيق زيدون فعاد إلى منزله يقول: وهذا إكليل العار. لا يتنازل أخوها أن يقتلني، لا يدنس يده بي. هذا إكليل العار يا توفيق، ولكني لا ألبسه، لا والله ولا أقتل نفسي قبل أن أصلحها، بلى سأضحي بها من أجل بلادي.
وكتب كتابا إلى لوسيل يستغفرها، ثم ذهب إلى الدائرة العسكرية في حيه، فتطوع في الجيش وسافر بعد بضعة أشهر في فرقته إلى ساحة القتال، إلى خطوط النار. •••
دخل إلياس نادر البيت متهللا وكانت ابنته الوحيدة سلمى تعد له العشاء، فهرول إليها والجريدة بيده يقول: «قد عاد من فرنسا.» - «من يا ترى؟ توفيق؟» - «قد عاد توفيق سالما ظافرا، راح نفرا مقامرا وجاء ضابطا، على كتفه شريط الشرف، كما ترين، والوسام (صليب الحرب) على صدره.»
نظرت سلمى إلى الصورة ووجهها يتلألأ سرورا. - «وأين هو الآن؟» - «كلمني بالتليفون من المحطة وقريبا يكون هنا، هل يليق عشاؤك ببطل من الأبطال؟» - «ويلي! لم أطبخ غير الأرز والبامية.» - لا بأس، ارفعي هذا «المشمع» وضعي مكانه غطاء الكتان، ورتبي المائدة بما عندك من الذوق. سأرجع حالا.
قال هذا وخرج مسرعا إلى دكان صديقه بتروكنتي الطلياني، ثم عرج على اللحام، وعاد وفي كلتا يديه رزمة كبيرة. - «خذي يا بنتي، توفيق يستحق مأدبة ولكن خير الجود الموجود، كما يقول المثل.»
ثم قال خافضا صوته: «هل زارك أنطونيو اليوم؟» - «لا، لم أره منذ أسبوع.» - «إذا زارك غدا يجب أن تكلميه بلطف يا بنتي، هؤلاء الطليان أشرار عند الغيظ.» - «أنا لا أخشاه، أنا لم أعده بشيء. نعم ذهبت وإياه إلى المسرح مرة واحدة، كما تعلم، ولكني لم أقبل منه هدية ما، حتى ولا سلة تفاح صغيرة، ويوم جاءنا مكتوب من توفيق وعلمنا بقرب رجوعه قلت لأنطونيو بصراحة: إني لم أعد أستحسن ولا أستحل مقابلته.» - «وماذا قال؟» - «أخذ يهذي على عادته، ولكني أعرفه، هو رجل طيب القلب.»
عند ذلك قرع الباب ففتحه أبوها، فإذا بتوفيق زيدون واقفا هناك ينزع قفازه، فصاح إلياس به مرحبا، وأخذ بيده فجره إلى وسط القاعة هاتفا: سرجنت زيدون، يا لطيف يا ستار - ولطمه لطمات على كتفيه ظهر تأثيرها في ركبتيه - كنت محدوب الظهر يا ... قبل دخولك الجندية، فصرت كالرمح، وكان صدرك مثل القوس فصار مستويا منفوخا، وتلك السحنة الصفراء ... وقرصه في خده وهو يكمل كلامه: «ما أحلى الورد!» ثم لطمه على ظهره لطمة تلو الأخرى مستمرا في ذا التحبب: «ما شاء الله، وصار يلبس القفاز، يا عيني، ويمسح حذاءه، ويحلق كل يوم.»
بعد ذلك كله طوقه بذراعيه وطفق يقبله في وجنتيه.
فقال توفيق ضاحكا وهو يحاول الإفلات منه: «ما أحلى ساحة الحرب يا إلياس! وما ألطف رش المدافع! أليس في البيت غيرك يا ترى؟ دعنا نسلم.»
অজানা পৃষ্ঠা