وليم أخو لوسيل شاب لا يتجاوز الثلاثين سنا، طويل القامة، نحيف الجسم، عصبي المزاج، حاد النظر، روحاني العين، خطواته تدل على ثقة له بنفسه، وحديثه يدل على إيمان له بالناس، وهو يحب لوسيل أخته الوحيدة حبا جما، ولا يريدها بعيدة عنه إلا إذا كانت متزوجة وسعيدة في زواجها.
وشد ما كانت دهشة لوسيل، وشد ما كان ابتهاجها بمشاهدة أخيها بعد تغيب طويل الأجل! - وليم عزيزي، متى عدت؟ وكيف علمت أني هنا؟ ومن أعطاك عنواني؟ - عدت في الأسبوع الماضي، ومنذ وصولي وعلمي أنك تركت البيت وأنا أبحث عنك، الفتاة التي تهرب من بيتها يا عزيزتي لا تراسل أحدا في قريتها، ولكن ابن القسيس جارنا هجر القرية أيضا، والقسيس أبوه عالم بمقرك، وبما أنت تصنعين.
اضطربت لوسيل هنيهة عند سماعها: «وبما أنت تصنعين.» فامتقع لون وجهها، ولكنها اطمأنت حين واصل أخوها حديثه قائلا: وهل أنت راضية بوظيفتك وبأجرتك؟ يظهر من هذا البيت ومفرش منزلك وأثاثه أنك في يسر وإقبال، إلا أنه مهما كانت أجرتك؛ خمسة وعشرين ريالا أو خمسين في الأسبوع، فأخوك وليم لا يرضى بها، ولا يريد أن تقيمي في هذا البلد بعيدة عنه. جئت يا أختي الحبيبة لأعود وإياك إلى البيت ، واعلمي أني نجحت نجاحا باهرا في سفري إلى البرازيل؛ لذلك وطنت النفس أن أؤسس عملا لنفسي، فأحب أن تكوني معي إلى حين زواجك، أنا عالم بأشراك المدينة يا عزيزتي لوسيل وبموبقاتها، وقلما تسلم ابنة غريبة فيها.
صعدت لوسيل الزفرات واغرورقت عيناها بالدموع. - ما بالك تبكين؟ ألا تعودين إلى البيت؟ أولست ترغبين في بيت تكونين سيدته؟ - لا يا أخي وليم، لا أعود إلى البيت. - ولماذا؟ - لألف سبب. - سبب واحد يقنعني، وقولي لي: لماذا تبكين؟ - هل تعشيت يا عزيزي؟ - لا.
إذن تشاركني العشاء الذي كنت أحضره لنفسي عند وصولك، وبعدئذ أقص عليك قصتي.
وراحت لوسيل إلى المطبخ تحضر العشاء لها ولأخيها، وبينا كان وليم ينتظر في غرفة الاستقبال وهو يجيل الطرف فيما فيها من الأثاث والأعلاق استوقف نظره صورة على ظهر البيانو، فإذا هي صورته وهو صبي، وإلى جانبها بل وراء إطارها الفضي، المسدس الذي ابتاعته منذ ساعة. فتحه وليم فإذا فيه ست رصاصات، ثم أعاده إلى مكانه دون كثير اكتراث.
وبعد برهة جاءت لوسيل تدعوه إلى غرفة الطعام. - فرش منزلي ينبئ باليسر، ولكن مائدتي يا عزيزي وليم كما ترى. - أتجوعين نفسك لتكسي جسدك مثل سائر البنات؟ - ربما كان الأمر كذلك. - ولم لا نذهب إلى أحد المطاعم؟ قومي تعالي معي. - لا لا، أفضل أن أكون وإياك وحدنا. - لتقصي قصتك. حسن هاتيها إذن.
أحنت لوسيل رأسها ثم رفعت منديلا إلى عينيها. - ما بالك؟ وما الداعي إلى هذه الدموع؟ أخبريني يا عزيزتي لوسيل ولا تكتمي شيئا؛ فإنك تعلمين مقدار حبي لك. نعم، أنا لك في كل حين، إذا كنت في شدة فقد جئت أساعدك، وإذا كنت في محنة ...
ونهض إذ ذاك يقبلها ويربت خديها. - أطلعيني على أمرك، اكشفي سرك، ولا تخفي عني شيئا، وكل ما أستطيع عمله من أجلك فأنا فاعله مسرورا؛ تكلمي.
نهضت إذ ذاك لوسيل وراحت إلى ردهة الاستقبال ثم عادت والمسدس بيدها، فوضعته على المائدة أمام وليم. - هذه هي قصتي. - لوسيل! - نعم، هذه هي قصتي. - وما معنى ذلك؟ هل تنوين شرا بنفسك أو بأحد من الناس؟ إذن قد جئت في الوقت المرغوب فيه. نعم، جئت أخلصك من نفسك. حيف عليك، حيف أن يفكر مثلك بهذه الأمور؟ فإذا كانت هذه قصتك فقومي بنا نذهب إلى المسرح. - لا، لا، إني أنتظر رجلا هذا المساء. - رجلا تنتظرين؟ ومن هو؟ من تنوين قتله يا ترى؟
অজানা পৃষ্ঠা