فقاطعها قائلا: ما لم أطلعك عليه فيما مضى. - قد أطلعتني مرارا في مثل حالك الآن على المهم من أمرك، هل لك رغبة في كأس من الوسكي؟ - لعن الله الوسكي! كيف أحوالك اليوم؟ - كما ترى نمت باكرا فأيقظتني باكرا. هذا من قواعد الصحة. - وماذا يهمني من ذلك؟ كيف أحوالك المالية؟ - أسوأ من حالك يا عزيزي. - تكذبين، تعالي قبليني. - أقبلك إذا كنت لا تهينني. - أريني إذن حافظة نقودك؛ أما زارك أحد هذه الليلة؟ - قلت لك: إني نمت باكرا وأقسم بالله ... - يمينك لا تقنعني؛ أريني حافظتك.
دخلت لوسيل غرفتها وعادت بعد هنيهة بحقيبة صغيرة رمتها في حجره، ففتحها توفيق وأجال فيها يده وعينيه، ورماها إلى الأرض غاضبا ناقما. - أنت كذابة محتالة. - وأنت قليل الشعور قليل الإيمان، بل أنت بربري، وقد سألتك أن لا تزورني في آخر الليل سترا لحالي؛ أفلا تعلم أني أشتغل في النهار فتاة محصنة مكرمة ولا أحد يظن بي ظنا سيئا؟ واجب أن أحافظ على شرفي وأصون عرضي تجاه من أشتغل عندهم في الأقل، لست مستهترة مثلك، ولي أمل بالتخلص مما أنا فيه خارج عملي اليومي، ولو كانت أجرتي تكفيني لألبس على الأقل مثل سائر البنات لما تنازلت إلى عمل ليلا آتيه آسفة حزينة، بل لما ملت إلى غيرك من الشبان، قلت لك ذلك مرارا وأنا عالمة أنه لو كان بإمكاني أن أكتم حبي لكان خيرا لي وأنفع، ولكني صريحة القول سليمة القلب، وهذه بليتي. لست خداعة ولست كذابة ولست محتالة، أنت تعلم ذلك ولا يردك هواك عن إهانتي، ألم أسعفك فيما مضى؟ ألم أقاسمك ما كنت أملكه من المال؟ بل طالما أفرغت حافظتي بين يديك. والآن تجيئني في آخر الليل فتشتمني وتهينني لأن حافظتي فارغة، صدقني يا عزيزي توفيق إذا قلت: إني لا أقوى على ردك وصدك، ولو كان لدي ريال واحد الآن لأعطيتكه مسرورة.
اقتربت لوسيل من صديقها فجلست على ركبته تلاطفه وتداعبه، وقد كانت تخشى أن تغيظه لأنه مطلع على حقيقة أمرها.
توفيق زيدون شاب شديد البنية، أسمر اللون، أسود العين والشعر، وسيم الوجه، طويل القامة، طويل الأنف دقيقه، في فمه سيماء الشهوة والخشونة، وفي ذقنه القصير المائل إلى عنقه ما يدل على ضعف الإرادة.
ولوسيل فتاة أميركية صافية البشرة، ذهبية الشعر، زرقاء العين، دقيقة الأطراف، متناسبة الأعضاء، لا تتجاوز العشرين من العمر، في شفتها السفلى بروز يجعل فمها كفم الطفل فيه سذاجة وجمال، وهي لطيفة المزاج سهلة المراس، نفسها في الحب كجدول من الماء المعين نهارا، وكالنهر الطامي ليلا. اجتمع بها توفيق زيدون في المخزن الذي تشتغل فيه، فشغفت به ومحضته حبها ، وأطلعته بعدئذ على خفي أمرها، فشجعها على ذلك بدل أن يردعها، وكان إذا خسر في القمار يلجأ إليها.
أما لوسيل فمثل سائر أخواتها من الشقر الحسان تهيم بحبيبها ساعة يكون معها، وتكاد أن تنساه إذا غاب، وهي مخلصة في كلا الأمرين، عاملة بناموس طبيعي يملك قلبها ومزاجها.
فلما جلست على ركبة توفيق تداعبه ألانت من نفسه، وأنسته بعض بلائه، فرفع إلى صدرها يدا راغبة كأن النار تتوقد في أناملها، وقام وفي عينيه رغبة أشد اتقادا.
وبينا هو في السرير أمال نظره من جمالها الذهبي إلى المرآة وراء السرير يتأمل جمالها الخيالي، فرأى هناك خزانة الثياب منعكسة فيها، وعلى بابها الذي نسيت لوسيل أن تقفله تماما لفافة زرقاء من الأوراق المالية كانت قد أخرجتها من حقيبتها لتضعها في جيب ثوب لها، فأخطأت المقصد ولم تدر فسقطت اللفافة على الأرض.
ولما نهض توفيق ليلبس ثيابه خرجت لوسيل من الغرفة، فسارع إلى باب الخزانة فالتقط ما كان على الأرض من المال ووضعه في جيبه قائلا في نفسه: كذابة، عاهرة.
ولما عادت لوسيل إلى الغرفة قبلها قبلة باردة وودع.
অজানা পৃষ্ঠা