قال: سبيل الفضيلة غير هذا؛ فكن مع الناس في حال تشبه محل نفسك لا محل أنفسهم، وما أنكر أن من الناس من يوقعون في نفسك الظنة
15
بكيت وكيت من سوء خلقهم، وكذا وكذا من قبح أعمالهم، حتى لتكون صداقة أحدهم كأنها نصف معركة حربية ... ولكن الهزيمة عن صديقك وأنت صديق خير من النصرة عليه وأنت عدو ... فتحصن من كيد هؤلاء، وأشباههم بالانهزام عنهم لا بمدافعتهم؛ فذلك إن لم يقعدهم عنك لم يلحقهم بك، ثم إن ردك إليهم راد بعد كنت الأكرم.
واعلم أن أرفع منازل الصداقة منزلتان: الصبر على الصديق حين يغلبه طبعه فيسيء إليك، ثم صبرك على هذا الصبر حين تغالب طبعك لكيلا تسيء إليه!
وأنت لا تصادق من الملائكة؛ فاعرف للطبيعة الإنسانية مكانها، فإنها مبنية على ما تكره، كما هي مبنية على ما تحب، فإن تجاوزت لها عن بعض ما لا ترضاه ضاعفت لك ما ترضاه؛ فوفت زيادتها بنقصها، وسلم رأس مالك الذي تعامل الصديق عليه! •••
قلت: فإني لا أعني ذلك الذي أضع «رأس» المال بيني وبينه ، ولكن شخصا آخر وضعت «قلب» المال بيني وبينه ...
قال: فههنا إذن! وما هنا صارت الحفرة بئرا ... ولكن أفتني فإني لا أعرف هذا الذي تسميه الحب: فهل بين النفسين شيء غير الصداقة؟
قلت: هو هي إلا فرقا واحدا.
قال: إن كان واحدا فلقد هان، فما هو؟
قلت: الفرق بينهما أنك ترضى أن يكون الصديق لنفسه أكثر مما هو لك، ولكنك لا ترضى إلا أن يكون الحبيب لك أكثر مما هو لنفسه.
অজানা পৃষ্ঠা