10
وإنما هي إلى وجه الله فلا تزال ترتفع؛ ودودا لا يعرف البغض، محبا لا يتسع للحقد، ألوفا لا يسر الموجدة على أحد!
وكان رحيب الصدر كأن الله زاد فيه سعة الأعوام التي سينتقصها من حياته، ففي قلبه قوة عمرين، وكان طيب النفس، فكأن الله لم يمد في عمره طويلا؛ لأنه نفى منه الأيام الهالكة التي يكون فيها الإنسان معنى من معاني الموت.
11 •••
آه لو عرف الحق أحد لما عرف كيف ينطق بكلمة تسيء، ولو عرف الحب أحد لما عرف كيف يسكت عن كلمة تسر، ولن يكون الصديق صديقا إلا إذا عرف لك الحق، وعرف لك الحب!
لا أريد بالصديق ذلك القرين الذي يصحبك كما يصحبك الشيطان: لا خير لك إلا في معاداته ومخالفته ... ولا ذلك الرفيق الذي يتصنع لك، ويماسحك متى كان فيك طعم العسل؛ لأن فيه روح ذبابة ... ولا ذلك الحبيب الذي يكون لك في هم الحب كأنه وطن جديد، وقد نفيت إليه نفي المبعدين ... ولا ذلك الصاحب الذي يكون كجلدة الوجه: تحمر وتصفر؛ لأن الصحة والمرض يتعاقبان عليها؛ فكل أولئك الأصدقاء لا تراهم أبدا إلا على أطراف مصائبك، كأنهم هناك حدود تعرف بها من أين تبتدئ المصيبة، لا من أين تبتدئ الصداقة، ولكن الصديق هو الذي إذا حضر رأيت كيف تظهر لك نفسك لتتأمل فيها، وإذا غاب أحسست أن جزءا منك ليس فيك، فسائرك يحن إليه؛ فإذا أصبح من ماضيك بعد أن كان من حاضرك، وإذا تحول عنك ليصلك بغير المحدود كما وصلك بالمحدود، وإذا مات ... يومئذ لا تقول: إنه مات لك ميت، بل مات فيك ميت، ذلك هو الصديق.
وكنا ذات يوم على شاطئ النيل، وبزغ الهلال كأنه إصبع ملك من الملائكة، خرقت ستار السماء لتحدث فيه ثقبا تنظر منه إلى نجمة ستهوي؛ فقلت له: هذا الهلال ما انفك يتلقى نور الشمس منذ خلق، وهو في نفسه مظلم أبدا، ولكنه من صحبته للنير قد أنار، وصار مع الشمس شمسا بيضاء، فما أكرم الصداقة من نعمة لو أصابها المرء على حقها فيمن خلق لها! كان أهل الكيمياء القديمة يسمونها «علم زراعة الذهب»، وأنا أسمي كيمياء الشمس في هذا القمر «زراعة الفضة»، فماذا تسمي أنت كيمياء الصداقة في معادن القلوب؟
قال: أسميها «زراعة الخير».
قلت: فإن لم ينبت، وأكله لؤم أرضه ...؟
قال: ذلك إلى الله لا إلينا؛ فإن في هذا الوجود قانونا دقيقا للخيبة لا يتسامح في شيء، وما يعرف منه الناس إلا حكمه حين يقضي فينفذ قضاؤه بدرك الشقاء. ألا إنه ما من الخيبة في الحياة بد؛ فإنها رد الأقدار علينا حين تقول «لا»، وهذه الخيبة هي العلم الذي موضوعه أن يعلم هذا الإنسان المغرور أنه شيء في الحياة، لا كل شيء فيها، فإذا كذبك صديقك مما قبله، وغمك بكثرة خطئه وزلله؛ فلا تزرعه مقتا وبغضا بعد أن زرعته خيرا وحبا، ولا تقطعه، بل انتظر فيأته،
অজানা পৃষ্ঠা