قالت: فتعرف الخطيئة الإنسانية، وتقدر قدرها؟
قلت: وأعوذ بالله منها وأتحاماها!
قالت: وتعرف ضعف الطبيعة؟
قلت: ومعاندتها وصلابتها أيضا.
قالت: فكيف تراني: ألست نصف المسألة السماوية على الأرض؟ وهل أنا إلا معنى متجسم من معاني القدر؟ وهل خرجت من سلالتي إلا كما خرجت الخمرة من عناقيدها؟ وهل خلقت جميلة غالية كالدينار إلا لتشترى بي بعض أوقات السعادة؟
قلت : أما المسألة السماوية فإن كنت نصفها، فقد كان الشيطان نصفها كذلك، وأما القدر المتجسم، فلعل الحريق في بيت من نكب به أجمل وأخف احتمالا، وهو مع ألوانه الفنية ... حريق، ولا يسمى أبدا إلا حريقا، وأما الخمر فهل هي إلا عفونة أسكرت؛ لأنها عفونة، وأما الدينار الذي تشتري به أوقات السعادة فهو نفسه الذي يغري اللصوص ويوجدهم، وإذا كانت السعادة - كما تصفينها - في نشوة الخمر، فهل تشترى الخمر إلا وفيها سكرها، ومرضها، وجنونها؟
قالت: فحدثني لم كان الحب إذن؟ وهل خلق إلا للاستمتاع به من حيث يتفق، وعلى أحسن ما يتفق؟
فقلت: إنما خلق الحب قوة ليقيد بقيوده كسائر القوى الطبيعية: فأنت تصدعين عنه كل قيوده، وتتخذينه تجارة في النفوس، فلا تردين يد لامس، ولا تمتنعين على دعوى فيها ثمنها ... وبذلك تجرين مجرى القوة المدمرة؛ ومن هنا كان لك في الاجتماع الإنساني شأن ليس كشأن المرأة، بل كشأن المادة، وكان بعض الآداب والقوانين ينزل منك منزلة المطافئ المعدة للحرائق، وبعضها بمنزلة السجون المرصدة للجرائم، وبعضها بمنزلة الاحتقار المهيأ للتاريخ السيئ، وما ظلمك الاجتماع في شيء؛ لأنك أنت في نفسك ظلم له، وإن الدواء الذي يبرئ من المرض لا يعد مرضا للمرض، وأهون بذلك إذا عد ما دام يبرئ من العلة، فإن درء المفاسد قبل جلب المنافع، ودرء المفسدة هو في نفسه منفعة!
قالت: فكأنك تذهب إلى القول بأن مثلي مثل العقرب والحية، وغيرهما مما لدغ أو نهش أو سم، وأن دأبي في الاجتماع كدأبهما، فليس لها إلا القتل حيث وجدت، ومثل الأوبئة والحميات، وما قتل، وما أعدى، فليس إلا مدافعتها، أو الفرار منها فرارا بالحياة لا بشيء دونها، وكأني في رأيك لست مخلوقة كالمرأة، بل كحيوان للأذى والمقت والخوف؟
قلت: بل مخلوقة مثل كل امرأة كانت، وكل امرأة تكون أو هي كائنة، ولكن فيك من الزيادة عليها زيادة ماء السيل على ماء النهر، وزيادة الحدة على الطبع الرزين، وزيادة الطيش على العقل، أفإذا طغى النهر فأفسد وخرب، وفارت النفس فحمقت واعتدت ، وطاش العقل فزل وأخطأ؛ نهض ذلك عندك عذرا في وجوب التخريب والاعتداء والخطأ، وتسويغها، ووجب من ثم أن تعتدل هذه الصفات الجائرة على قلوب الناس، وأن يطمئنوا إليها، ويرضوها مذعنين، فلا يقيموا على النهر العاتي جبالا من السدود، ولا يجعلوا للنفس الطائشة سجنا من الحدود، ولا يقولوا لمن يجنيها عليهم: إن كان عندك الفرار فعندنا القيود؟
অজানা পৃষ্ঠা