فإني لجالس ذات مرة في جوف الليل أكتب على ضوء الكهرباء، إذ طارت فيه نظرة من نظراتي، وكان بإزاء الشعيلة؛
5
فرأيت في خلاله من انعكاس الضوء شميسة صغيرة لم أر قط أحسن منها حسنا، كأنها سبيكة تحترق، وتتناثر ضبابا من بخار الذهب؛ فمددت النظر؛ فإذا أنا بتلك الشميسة كأنها إحدى عذارى الجنة انغمست في غدير صاف فحولها جمالها، فانقلب من معنى الماء إلى معاني الجمال المستحي؛ فاحمر كأنه لون خد مورد!
وراعني ما أبصرت، فاستأنيت لحظة، ثم رفعت طرفي إلى مدار هذا الكوكب، فجعل يرمي بمثل شقائق البرق
6
تلمح واحدة لواحدة، ثم انقلب يتضرم كالتنور المستعر، ثم عاد لجة من «السحاب الأحمر» يموج بعضها في بعض كالحب المتوهج، يملأ فراغ قلب كبير؛ فاختلج الذي هو في صدري؛ وحضرتني
7
حاضرة من الذكرى لم تكد تعرض للفكر حتى انفلق السحاب عن وجه فاتن كالقمر الطالع، وكان متمثلا في نفسي مذ أبصرت تلك الشميسة، فكأنما أرى من السحاب مرآة فانطبع فيها؛ وما تلبث إلا يسيرا ثم اختفى.
وغصت في هذه النفس أفكر فيما رأيت، وأنا أمسك على قلبي أن يطير، فإذا «السحاب الأحمر» يمطر علي مطرة من الخواطر والكلمات، يتلاحق منها طرف بعد طرف، وتقبل طائفة وراء طائفة؛ كأن متكلما يتحدث بها في نفسي، أو كأنه وحي يوحى من ملك الجمال؛ فأسرعت أدونها، وأحصيها تحت عيني تلك الصورة الجميلة المشرقة علي، حتى امتلأ البياض سوادا، واستفاضت روح الحبر الأسود بالهم، على صدوع القلب وعلى شعابه.
8
অজানা পৃষ্ঠা