أشار أشار بكفه كلها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها وضرب براحته اليمنى بطن إبهامها اليسرى، وإذا غضب أعرض وأشاح، جُلَّ ضحكه التبسم.
قال الحسن: فكتمتها الحسين زمانا ثم حدثته بها فوجدته قد سبقني إليه، فسأله عما سألته عنه، ووجدته قد سأل أباه عن مدخله ومخرجه وشكله فلم يدع منه شيئًا.
قال الحسين: سألت أبي عن دخول رسول الله ﷺ فقال: كان رسول الله ﷺ إذا أوى إلى منزله جزّأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءًا لله وجزءًا لنفسه، وجزءًا لأهله، ثم جزأه بينه وبين الناس، فيرد ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم منه شيئًا، وكان من سيرته في جزء الامة إيثار أهل الفصل باذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين، فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والامة من مسألته عنهم وإخبارهم بالذي ينبغي لهم، ويقول: ليبلّغ الشاهد منكم الغائب، وأبلغوني حاجة من لا يستطيع إبلاغها ثَّبت الله قدميه يوم القيامة، لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره، يدخلون روّاءًا ولا يفترقون إلا عن ذواق ويخرجون أدّلة، يعني على الخير.
قال: فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه؟ قال: كان رسول الله ﷺ يخزنُ لسانه إلا فيما يعنيه، ويؤلفهم، ولا ينفرهم، ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليهم، ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا خلقه، ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في ايدي الناس، ويحسن الحسن ويقويه وبقبح القبيح ويوهيه، معتدل الأمر غير مختلف لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يملوا، لكل حالٍ عنده عتاد، لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه، الذين يلونه من الناس خيارهم، أفضلهم عنده أعمّهم نصيحةً وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساةً ومؤازرة.
قال: فسألته عن مجلسه، فقال: كان رسول الله ﷺ لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكرٍ، وكان إذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويامر بذلك ويعطي كل جلسائه نصيبهم لا يحسب جليسه أنَّ أحدًا اكرم عليه ممن جالسه، ومن سأله حاجة لم يردّه إلا بها أو بميسور من القول، قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أبا وصاروا عنده في الحق سواء، مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة، لا ترفع فيه الأصوات ولا تُؤبن فيه الحرم يتعاطفون فيه بالتقوى متواضعين، يوقرون فيه الكبير، ويرحمون فيه الصغير، ويؤثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب.
قلت: وكيف كانت سيرته في جلسائه؟ فقال كان رسول الله ﷺ دائم البشر، سهل
1 / 63