فإن قام بالأمر المخوف قائم
منعنا وقلنا: الدين دين محمد
أي إنه منع الزكاة وقال لقومه: خذوا أموالكم فالدين دين محمد لا دين أبي بكر.
وقد روى ابن خلكان ما ذكر أنه الحديث الذي دار بين الرجلين، وأورد ما يأتي: «فقال مالك: إني آتي الصلاة دون الزكاة، فقال له خالد: أما علمت أن الصلاة والزكاة معا لا تقبل واحدة دون أخرى؟! فقال مالك: قد كان صاحبك يقول ذلك. قال خالد: أوما تراه لك صاحبا؟! والله لقد هممت أن أضرب عنقك. ثم تجادلا بالكلام طويلا، فقال له خالد: إني قاتلك. قال: أوبذلك أمرك صاحبك؟ قال خالد: والله لأقتلنك.» وأمر به فقتل.
يرجح بعضهم هذه الرواية الثانية على الرواية الأولى، على أن هؤلاء الذين يجرحونها يرونها ناقصة، ويرون أنها إن لم تكمل ناقضت تصرف ابن الوليد في أمر قرة بن هبيرة والفجاءة السلمي وأبو شجرة وأمثالهم ممن قصصنا حديثهم، فهو قد بعث بهؤلاء إلى أبي بكر ليرى فيهم رأيه، ولم يكن مالك بن نويرة أعظم من أيهم إثما ولا أكبر جريرة؛ فما باله يقتله ولا يبعث به إلى الخليفة ومكانه من بني تميم لم يكن دون مكان أي أولئك من قومه!
وتتمة القصة في رأيهم أن خالدا تزوج أم تميم زوجة مالك في يوم مقتله، وقبل أن يجفف التراب دمه، مخالفا بذلك كل تقاليد العرب، وهم يريدون أن يربطوا بين مقتل مالك وزواج خالد من امرأته، وأن يجعلوا هذا الزواج سبب ذلك القتل. ولعلهم في ذلك على حق، ولعلهم مخطئون.
ذكر اليعقوبي في تاريخه: «فأتاه مالك بن نويرة يناظره واتبعته امرأته؛ فلما رآها خالد أعجبته فقال: «والله لا نلت ما في مثابتك حتى أقتلك.» فنظر مالكا فضرب عنقه وتزوج امرأته.» وذكر أبو الفرج في الأغاني: «لما تنبأت سجاح اتبعها مالك ثم أظهر أنه مسلم، فضرب خالد عنقه، فطعن عليه في ذلك جماعة من الصحابة؛ لأنه تزوج امرأة مالك بعده، وقد كان يقال إنه يهواها في الجاهلية، واتهم لذلك أنه قتل مسلما ليتزوج امرأته بعد.» وروى أبو الفرج كذلك قال: «قال محمد بن سلام: وسمعني يوما يونس وأنا أراد التميمية في خالد وأعذره فقال لي: يا أبا عبد الله، أما سمعت بساقي أم تميم؟! فكان يقال إنه لم ير أحسن من ساقيها.»
وقد نسجت الروايات لهذا الحادث من بعد صورا أدنى إلى فنون الأدب منها إلى وقائع التاريخ، فقد قيل: إن ليلى كانت مع زوجها وهو يناظر خالدا، فلما سمعته يقول له: إني قاتلك، ووالله لأقتلنك، ألقت بنفسها على قدمي الفاتح تلتمس منه العفو وقد انسدل شعرها على كتفيها وبلل الدمع منها عينين زانهما الحور فزادهما سحرا، ونظر خالد إلى وجهها البارع، وهي ترنو إليه مستعطفة مسترحمة، نظرة هوى وإعجاب، فصاح مالك: إني مقتول لا محالة! وأجاب خالد: ما لهذا والله، وإنما قضى عليك كفرك، وأمر بضرب عنقه.
لسنا نقف عند ما نسجته فنون الأدب من هذه التفاصيل، لكن الثابت الذي لا ريب فيه أن ليلى أعجبت خالدا، وأنه لذلك أمسكها من بعد ولم يسرحها مع ما جره زواجها عليه من متاعب.
وحسبك لتقدر هذه المتاعب أن تعلم أن أبا قتادة الأنصاري غضب لفعلة خالد إذ قتل مالكا وتزوج امرأته أشد الغضب، فتركه منصرفا إلى المدينة، مقسما ألا يكون أبدا في لواء عليه خالد، روينا ما قيل من أن الجند الذين سجنوا مالك بن نويرة وأصحابه هم الذين قتلوهم حين سمعوا خالدا يقول: دافئوا أسراكم، وأن خالدا غضب لذلك ثم قال: إذا أراد الله أمرا أصابه، ويضيف أصحاب هذه الرواية أن أبا قتادة ظن ما حدث حيلة من حيل خالد، وأنه ذهب إليه يقول: هذا عملك، وأن خالدا زجره فغضب وذهب إلى المدينة .
অজানা পৃষ্ঠা