ونالت نادية شهادة الثانوية العامة، وفي الصيف كانت كلما مرت بعم حسين ألقت إليه ابتسامة وتحية من بعيد. إن هاجسا في نفسها كان يهمس لها ألا تقطع المفاوضات بينها وبين عم حسين.
وأتت أشهر الصيف، ودخلت إلى الجامعة، إن لها زميلات من المدرسة الثانوية ذهبن معها إلى الجامعة، تعرفهن وتعرف ملابسهن وهن في المدرسة الثانوية، ما هذا الذي يرتدين؟ - كيف؟ - أنت هبلة. - هبلة؟ - ألا تعرفين كيف؟ - آه فهمت. فهمت. - أخيرا. - وعند الزواج. - بثمن فستان نجري عملية.
وحين عادت في ذلك اليوم وقفت مع عم حسين دقائق، لقد كان الهاجس في نفسها صادقا معها، لقد أحسنت صنعا أنها لم تقطع المفاوضات.
الميراث
ليس غريبا أن يكون بينهما هذا الخلاف الذي وصل إلى أقصى مداه، وليس غريبا أن يكون بينهما هذه الكراهية الشديدة وهذا المقت المرير، لقد ورثا الخلاف والكراهية والمقت فيما ورثا عن أبويهما، وهما الآن وجيهان لكل منهما أنصار وأعوان، وقد نسي كل منهما كما نسي أنصار كل منهما قصة الأبوين.
أما أبو الأول الذي أصبح اليوم أسعد بك فقد كان المعلم أنور. بدأ حياته في حي السيدة زينب وقد زحف إليها من الريف حين ضاقت به بلدته «شيبة» فأصبح لا يجد بها قوت يومه؛ فهي قرية مزدحمة يتخاطف أهلها الرزق، وهو لا يرى في الزحام طريقا، وحالفه الجوع حتى أصبح لا يأبه كثيرا بالشرف، فكان يختطف العيش اختطافا فيه قسوة أحيانا كثيرة وفيه الحيلة في أحيان قليلة ولكن لم يكن هذا الاختطاف ليستطيع أن يستمر طويلا؛ فضاقت به القرية ولم يجد مناصا آخر الأمر إلا أن يزحف إلى القاهرة. الزحام أشد ولكن هذا الزحام كان بالنسبة إليه كالصحراء البكر؛ فهناك لن يعرفه أحد، وهناك يستطيع أن يمارس اختطافه بالحيلة دون أن يعجزه ضيق المكان أن يجد الفريسة، ولم يكن يستبعد أن يستعمل القسوة، إذا كان لا بد أن يستعمل القسوة وزحف إلى القاهرة.
غريب في حي السيدة، والقاهرة يومذاك بها كثير من الأراضي الخالية، فماذا عليه أن يتخذ من خرابة مسكنا، وماذا عليه لو أقام بيته من بعض خشب. ومن أين له الخشب، أدرك أنه لو ظهر على حقيقته في أيام إقامته الأولى، فلن يلبث شارع الملك الناصر أن ينبذه كما نبذته بلدته شيبة، قصد إلى تاجر أخشاب. - أعمل عندك؟ - وماذا تحسن أن تعمل؟ - أحمل الخشب. - لا بأس فإن لك جسما قويا. - فقط أريد بعض خشب مقدما أقيم به الحجرة التي سأسكن بها. - أنت ... - غريب قادم من الريف. - ومن يضمن لي أنك ستبقى حتى تفي بثمن الخشب. - الخشب نفسه. - معقول.
وهكذا بنى حجرته بقطعة أرض وجدها خالية، ولم يفكر أن هذه الأرض لا بد أن يكون لها صاحب، أو هو فكر ولكن لم يشأ أن يتخذ إجراء معينا إزاء هذا التفكير.
المهم أنه أقام الحجرة وأقام.
كان صاحب الأرض رجلا عنيفا ذا بطش وسلطان. حتى نما إلى سمعه أن إنسانا تجرأ وبنى حجرة بملكه، ترفع أن يذهب إليه، وإنما أرسل بعض أتباعه. - كيف أقمت هنا؟ - بنيت هذه الحجرة وأقمت. - ألا تعرف أن لهذه الأرض صاحبا. - هل أنت صاحبها؟ - أنا تابعه. - أريد أن ألقاه. - لا يلقي أمثالك. - وماذا يضيره أن ألقاه؟ - لا يلقى أمثالك. - ألا يملك هذه الأرض؟ - بل يملك البيوت المحيطة بها جميعا. - ألا يسكن في هذه البيوت جميعا فقير مثلي؟ - ولكنهم لا يلقونه. - اصنع لي هذا المعروف. - ولماذا أصنعه؟ - لعلي أنفعك في بعض الأيام. - أنت؟! - ألا تعرف الفأر الذي خلص الأسد من المصيدة؟ - حكاية. - لا بد سمعتها. - فأنت تعرف أني أسد. - وأني فأر. - سأجعلك تلقاه. ••• - ماذا يضير سيادتك أن أقيم بهذه الأرض الخالية؟ - يأتي يوم وتدعي ملكيتها. - بل سأجعلها نظيفة، ويوم تريد طردي فما هي إلا بضعة أخشاب أحملها في يدي وأمضي إلى حال سبيلي. - تدفع أجرة؟ - أمرك. - عشرة قروش في الشهر. - ولكن الأرض خالية. - ولو. - وسأحرسها لك. - مثلي لا تحتاج أملاكه إلى حراسة. - ألا تجعلها خمسة. - عشرة قروش في الشهر. •••
অজানা পৃষ্ঠা