শহীদ বিদ্যা ও পরবাস
ذكرى شهداء العلم والغربة
জনগুলি
أيها المنزل الذي كان يقطنه فريد، ما لك مكتئبا حالكا؟! لقد تعودت أن أقف أمام بابك نابض القلب مهتز العواطف منتظرا تلك اليد اللطيفة التي لن أعود أمسك بها بعد اليوم. آه! ما أشقاني وما أكبر تعاستي! لقد تركني النوم ورغب النعاس عن عشرتي، وكمجرم أثيم أراني أهرب كل ليلة إلى مخدعي لأحزن على جرمي وأستغفر ربي.
أين ذلك النور الذي كان يتلألأ فيك أيها البيت التعس؟ ما لي لا أرى بك سوى ظلام دامس؟! لقد انطفأ النور، لقد ولى القمر، لقد اشتد الحلك، وخلت الغرفة التي تعودنا بالجلوس فيها معا من السرور والانشراح.
خروجا يا نفس من هذه البقعة المؤلمة، خروجا من هذا المكان المشبع بالشقاء، إلى الشوارع، إلى القرى، إلى الفضا، الفضاء الفسيح حيث كنا نقضي الساعات الطوال فوق الحشائش الخضراء وتحت ظلال الأشجار الباسقة، هذه أيضا مظلمة. غير أنني في نورك الروحاني يا فريد رأيت بين الزهور وردة ناصعة البياض تلمع في وسط الحلك، فاقتربت منها واقتطفتها من عودها، ووضعتها فوق صدري وأدنيتها من مصدر حياتي لتمتص الحياة من قلبي ومن روحي.
ها هي يا فريد، لقد جئت بها إليك لأضعها فوق ضريحك، فإذا ما استطاعت النمو نمت وأزهرت، وإذا ما ذبلت فما أسعدها! لأنها فوق رأسك تذبل وبالقرب منك تموت.
الحمامة تطير في الفضاء، تغني وتفرح لتبلغ السماء خيرا وتملأ الفضاء سرورا، كذلك روحي إنها لتحلق كل ليلة في الفضاء إلى العالم غير المنظور، تاركة وراءها هذا الغشاء المحتقر الفاني هذا الجسم الترابي على قنة الجبال فوق متن البحار على أجنحة الرياح إلى السحابة، هنالك تناجيك نفسي وفي النهاية تعود روحي من حيث أتت مهرولة بسرعة إلى غشائها المحتقر، فتجده هادئا هدوء جسمك الآن منتظرا عودتها إليه.
أي فريد، لقد سرنا في الحياة معا أياما وشهورا وسنين في حالة طبيعية لا يتخللها سوى الأخذ والرد الهادئين، ولكم تماسكت أيدينا! غير أننا ما كنا نشعر بروح هذا التماسك، ولكم تناقشنا في أبحاث كثيرة! غير أننا ما كنا لنرى في خلال ذلك الجدل وتلك المناقشة ما يستلفت النظر إلى وجود ذلك السر الكامن في كل لفظ من الألفاظ ورأي من الآراء وحجة من الحجج، لقد تعاملنا طويلا غير أننا ما كنا لنرى في خلال هذا التعامل ونحن في أوقاتنا الساكنة الهادئة شيئا مما هو وراء المادة.
كنا نلهو ونلعب متوجة أعمالنا بسرور وانشراح، وإذا بالموت رابط في طريقنا يترصد مجيئنا ظل الموت الرهيب الذي تخافه كل الخلائق، لقد قطع بسيفه الصارم حبل الحياة الذي كان يربطنا، وحملك يا فريد بعيدا عني حيث لا أستطيع أن أراك أو أن أتبع سبيلك، غير أنني لاحق بك يوما ما لأن ظل الموت ينتظرني في الظلام كما كان ينتظر روحك الطاهرة. •••
أفريد، على قبرك سطع القمر، بالليل سطع نوره الفضي على ضريحك، وإذا بشعاعه المصافي يتألق فوق صورتك الجميلة، ويقبل فمك العذب، ويحل بين ذراعيك الطاهرتين. وبينا أنا يا فريد في مضجعي مرتبك الفكر قلق الفؤاد مجروح الحشا، إذا بنور القمر هذا يطل من شباك غرفتي حتى تحقق من وجودي، وعرف أنني وحيد منفرد فطرح بين يدي رسالة منك، رسالة صديق إلى صديقه، رسالة طاهرة من محب سام إلى شقي بائس مكتوبة بحروف من نور على ورق فضي، ففضضتها بلهف وكدت ألتهم كلماتها التهاما، قرأتها مثنى وثلاث ورباع، قرأتها والدموع ملء محاجري والحزن قابض على قلبي، قرأتها وسأقرؤها إلى أن نتراسل، الأرواح مع الأرواح، وينطفئ نور هذا القمر المنظور وتصير الملائكة النورانية هي الرسل بيني وبينك، بل إلى أن لا تكون في حاجة إلى التراسل بشعاع القمر. •••
يا إخواني، أنا لا ألوم الموت لأنه حمل الفضيلة من الأرض واختطف الطهارة من بيننا، فللفضيلة والطهارة مناقب دائما خضراء وقد ترك فريد كثيرا من فضائله وطهارته. إنني لا ألوم الموت لأنه فرق بيننا وبين من نحب فلن نعود بعد اليوم أن نتحدث مع شخصه المنظور. نعم، لا يمكن أن نراه، ولكن من يستطيع أن يمنع مناجاة الروح للروح وهما يعيشان في فضاء لا بعد فيه؟ فتعالي أيتها الروح المنبسطة في الفضاء، اقتربي مني واقرعي باب قلبي وادخلي إلى نفسي لعلك تشعرين بالحنين الذي يعجز اللفظ عن تعبيره لأنه حنين السماء إلى السماء.
آه! ما أطهر القلب وأنقى العواطف التي تتمتع ساعة واحدة بمناجاة محب فارق الحياة، حين تنتقل النفس إلى عالم الخيال، إلى العالم الأعلى، إلى حيث الطهارة والصفاء!
অজানা পৃষ্ঠা