134

فصل إن قيل هذه الأخبار منسوخة؛ لأن الذي صلى فيه العصر في اليوم الأول صلى فيه الظهر في اليوم الثاني، فالجواب عنه من وجوه:

أحدها: إن إثبات النسخ لا يصح إلا بدلالته في هذه الشريعة، وهذا كلام حكيم لا يجوز إبطال فائدته إلا بدلالة، ولا دلالة هاهنا، وأكثر ما يحتج به أن وقتا واحدا يجمع صلاة العجماوين في الاختيار، ونحن نقول له به عملا بما بيناه أولا.

وثانيها: أن وقت العصر غير منسوخ بالإجماع، وهو مأخوذ من خبر ابن عباس وغيره.

وثالثها: أن نقول: إنهما صلاتان تلي إحداهما الأخرى في زمان واحد فآخر وقت الأولى يجب أن يكون وقتا للأخرى، دليله العشاء والمغرب بمزدلفة؛ ولأن هذا الوقت للظهر فجاز أن يكون وقتا للعصر دليله العجماوان بعرفة هذا إلزام للمخالفين؛ لأنهم يثبتون الأوقات بالقياس أو بعضهم، وعندنا أن إثبات الأوقات بالقياس لا يصح؛ لأنها مصالح لا هداية للمعقول إلا بعينها فلم يصح إثباتها للقياس.

ورابعها: أنهم تعلقوا بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض ما روي عنه: ما بين هذين الوقتين وقت، وحملوا لفظة ما على أنها نافية، فهو غير صحيح؛ لأنها هاهنا بمعنى الذي، كأنه قال: الذي بين هذين الوقتين وقت، قال تعالى:{ما عندكم ينفد وما عند الله باق}[النحل:96] معناه الذي عندكم ينفد.

وخامسها: أن الحكم بالنسخ لا يصح بغير دلالة ولا معنى له؛ لأن هذا لا يدل على النسخ بل يدل على أن الوقت وقت للصلاتين جميعا على ما بيناه، يؤيد ذلك أنه قد ثبت أن القسط كان يتناول أول الوقت وآخره بدلالة أنه صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك لجميع الصلوات فإنه أدى كل صلاة في وقتين، وقال: الوقت فيما بين هذين الوقتين.

وسادسها: أنه لا خلاف بين المسلمين في أن الأخبار إذا أمكن أن يبنى بعضها على بعض فلا يجب على أن تحمل على النسخ.

পৃষ্ঠা ১৩৩