إنه فارغ ومملو ، لأن البسيط المطلق ليس هو ، المكان ، بل المكان بسيط بشرط الإحاطة. وإذا (1) جعل بدل البسيط المطلق بسيط بهذه الصفة ، لم يتحاشوا عن ذلك.
وأما الحجة التي بعد هذه فمبناها على أن يصير المكان بعدا يجعل (2) لكل جسم مكانا. وهو أمر صواب واجب وهذا التصويب (3) شهوة من الشهوات ، فإنه إن لم يكن واجبا أن يكون كل جسم فى مكان وجوبا فى نفسه ، كان سعينا (4) فى ايجابه سعيا باطلا ، وعسى أن يكون الأوجب (5) لبعض الأجسام أن لا يكون فى مكان ، وإن كان واجبا (6) لم يحتج إلى تدبير منا ولو كانت هذه المقدمة صحيحة (7)، وهو (8) أن كل جسم فى مكان ، ولم يمكن (9) أن يوجد لكل جسم حاو أو شيء من الأشياء المتوهمة مكانا غير البعد المفطور ، وكان البعد المفطور موجودا ، كانت الحاجة تمسنا إلى أن نقول بأن البعد مكان. وأما وليس شيء من ذلك واجبا (10) فما أشد تحريفنا (11) فى أن نتمحل حيلة ، فيكون (12) لنا (13) أن نجعل كل جسم فى مكان ، ولنسلم أيضا أن كل جسم فى مكان ، فليس يجب أن يكون ذلك المكان هو البعد فإنه يجوز أن يكون هذا المعنى ليس بمكان لكنه لازم للمكان وعام لكل جسم عموم المكان. فإن عنى بهذا القول إنه يكون أشبه برأى الجمهور ، وأن (14) كل جسم فى مكان ، فليس ذلك حجة ، فإن نسبة هذا الرأى إلى الجمهور والذين (15) هم العامة من حيث لا يعتقدون مذهبا يذهبون إليه ، بل يعملون ويقولون على ما فى المشهور (16) أو الوهم ، كنسبة رأى آخر إليهم ، وهو أن كل موجود فى مكان ، وأنه (17) يشار إليه. وهذان الرأيان يتساويان فى أن العامة تنصرف عنهما بتبصير وتعريف يرد عليهم بعد الفطرة العقلية والوهمية. وقد عرفناك (18) أحوال هذه المقدمات حيث تكلمنا فى المنطق ، وبينا أنها وهميات دون عقلية (19)، ولا يجب أن يلتفت إليها على أن حكمهم أن كل جسم فى مكان ليس فى تأكد حكمهم فى أن كل موجود إليه إشارة وله حيز (20)، ولا وهم يفهمون من التمكن غير ما يفهم من الوضع. ثم (21) لو كان هذا أيضا حقا ، لما وجب على ما بينا أن يكون ما قالوه حقا ، وكان يجوز أن يكون المكان أمرا غير البعد وكل واحد منهما مما يوجد لكل جسم ، فلا يكون وجود البعد ملاقيا لكل جسم دليلا على أنه مكان له إذ كان (22) يجوز أن يكون شيئان موجودين (23) لكل جسم وأحدهما دون الآخر مكان.
পৃষ্ঠা ১৪৪