ولمثل هذا السبب ما يرى الشىء السريع الحركة إلى الجانبين كشيئين لأنه قبل أن انمحى عن الحس المشترك صورته وهو فى جانب رآه البصر وهو فى جانب آخر فتوافى إدراكاه فى الجانبين معا، وكذلك إذا دارت نقطة ذات لون على شىء مستدير رؤيت خطا مستديرا وإذا امتدت بسرعة على الاستقامة رؤيت خطا مستقيما، ونظير هذه الحركة الدوار فإنه إذا عرض سبب من الأسباب المكتوبة فى كتب الطب فحرك الروح الذى فى التجويف المقدم من الدماغ على الدور وكانت القوة الباصرة تؤدى إلى ما هناك صورة محسوسة فالجزء من الروح القابل لها لا يثبت مكانه بل ينتقل ويخلفه جزء آخر يقبل تلك الصورة بعد قبوله وقبل انمحائها عنه، وكذلك على الدور، فيتخيل أن المرئيات تدور وتتبدل على الرائى وإنما الرائى هو الذى يدور ويتبدل على المرئى، وإذا كان القابل ثابتا وتحرك الشىء المبصر بسرعة انتقل لا محالة شبحه الباطن من جزء من القابل إلى جزء آخر، فإنه لو كان الشبح يثبت فى ذلك الجزء بعينه لكان نسبة القابل مع المقبول واحدة ثابتة، فإذا إذا عرض لحامل الشبح أن ينتقل عن مكانه انتقل الشبح لا محالة فتغيرت نسبته إلى الجسم الذى من خارج، فعرض ما يعرض لو كان الشىء الذى من خارج ينتقل، وأيضا فإن الناظر فى ماء شديد الجرى يتخيل له أنه هو ذا يميل عن جهة ويسقط إليها، والسبب فى ذلك أنه يتخيل الأشياء كلها تميل إلى خلاف جهة ميل الماء، فإن شدة الحركة الموجبة لسرعة المفارقة توهم أن المفارقة من الجانبين معا، والسبب انتقال الشبح فى القابل مع ثباته فى كل جزء تفرضه زمانا ما، ويجب أن يعلم أن مع هذه الأسباب سببا آخر معينا لها ماديا وذلك أن جوهر الروح جوهر فى غاية اللطافة وفى غاية سرعة الإجابة إلى قبول الحركة حتى أنه إذا حدث فيه سبب موجب لانتقال الشبح من جزء إلى جزء يلزمه أن يتحرك جوهر الروح حركة ما - وإن قلت - إلى سمت ذلك الجزء، والسبب فى ذلك أن لكل قوة من القوى المدركة انبعاثا بالطبع إلى مدركها حتى أنها تكاد تلتذ به، وإذا انبعثت نحوه مال حاملها إليه أو مالت بحاملها إليه، ولهذا ما كان الروح الباصر يندفع جملة إلى الضوء وينقبض عن الظلمة بالطبع، فإذا مال الشبح إلى جزء من الروح دون جزء كانت القوة كالمندفعة إلى جهة ميل الشبح بآلتها، فإن الآلة مجيبة لها إلى نحو الجهة التى تطلبها القوة فيحدث فى الروح تموج إلى تلك الجهة للطافتها وسرعتها إلى قبول الأثر كأنها تتبع حركة الشبح، ولهذا السبب إذا أطال الإنسان النظر إلى شىء يدور يتخيل له أن سائر الأشياء تدور لأنه يحدث فى الروح حركة مستديرة لاتباعها لانتقال الشبح، وكذلك إذا أطال النظر إلى شىء سريع الحركة فى الاستقامة يحدث فى الروح حركة مستقيمة إلى ضد تلك الجهة لأن جهة حركة الشىء مضادة لجهة حركة الشبح، فحينئذ ترى الأشياء كلها تنتقل إلى ضد تلك الجهة لأن أشباح الأشياء لا تثبت، والسبب الرابع اضطراب حركة تعرض للثقبة العينية، فإن الطبقة العينية سهلة الحركة إلى هيئة تتسع لها الثقبة وتضيق تارة إلى خارج وتارة إلى داخل على الاستقامة أو إلى جهة فيتبع اندفاعها إلى خارج انضغاط يعرض لها واتساع من الثقبة ويتبع اندفاعها إلى داخل اجتماع يعرض لها وتضيق من الثقبة، فإذا اتفق أن ضاقت الثقبة رؤى الشىء أكبر أو اتسعت رؤى أصغر، أو اتفق أن مالت إلى جهة رؤى فى مكان آخر، فيكون كأن المرئى أولا غير المرئى ثانيا وخصوصا إذا كان قد تمثل قبل انمحاء الصورة الأولى ولقائل أن يقول فلم لا تثبت الصورة واحدة مع انتقال القابل
পৃষ্ঠা ১৫৮