فالوهم حاكم فى الحيوان يحتاج فى أفعاله إلى طاعة هذه القوى له، وأكثر ما يحتاج إليه هو الذكر والحس، وأما المصورة فيحتاج إليها بسبب الذكر والتذكر، والذكر قد يوجد فى سائر الحيوانات، وأما التذكر وهو الاحتيال لاستعادة ما اندرس فلا يوجد على ما أظن إلا فى الإنسان، وذلك لأن الاستدلال على أن شيئا كان ففات إنما يكون للقوة النطقية، وإن كان لغير النطقية فعسى أن يكون للوهم المزين بالنطق، فسائر الحيوانات إن ذكرت ذكرت، وإن لم نذكر لم تشتق إلى التذكر، ولم يخطر لها ذلك بالبال، بل إن هذا الشوق والطلب هو للإنسان، والتذكر هو مضاف إلى أمر كان موجودا فى النفس فى الزمان الماضى، ويشاكل التعلم من جهة ويخالفه من جهة، أما مشاكلته للتعلم فلأن التذكر انتقال من أمور تدرك لها أيضا الصورة المحسوسة النافعة والضارة والمعنى الذى فى الذكر ظاهرا أو باطنا إلى أمر غيرها، وكذلك التعلم، فإنه أيضا انتقال من معلوم إلى مجهول ليعلم، لكن التذكر هو طلب أن يحصل فى المستقبل مثل ما كان حاصلا فى الماضى، والتعلم ليس إلا أن يحصل فى المستقبل شىء آخر، وأيضا فإن التذكر ليس يصار إلى الغرض فيه من أشياء توجب حصول الغرض ضرورة، بل على سبيل علامات إذا حصل أقربها من الغرض انتقل النفس إلى الغرض فى مثل تلك الحال، ولو كانت الحال غير ذلك لم يجب - وإن أخطر صورة الأقرب أو معناه - أن تنتقل، كمن يخطر بباله كتاب بعينه فتذكر منه معلمه الذى قرأ عليه ذلك الكتاب، وليس يجب من إخطار صورة ذلك الكتاب بالبال وإخطار معناه أن يخطر ذلك المعلم بالبال لكل إنسان، وأما العلم فإن السبيل الموصلة إليه ضرورية النقل إليه، وهو القياس والحد،
পৃষ্ঠা ১৮৬