وربما رأى الإنسان تعبير رؤياه فى رفياه فيكون ذلك بالحقيقة تذكرا، فإن القوة المفكرة كما أنها قد تنتقل أولا من الأصل إلى الحكاية لمناسبة بينهما كذلك لا يبعد أن تنتقل عن الحكاية إلى الأصل، فكثيرا ما يعرض لها أن تتخيل فعلها ذلك مرة أخرى فترى كأن مخاطبا يخاطبها بذلك، وكثيرا ما لم يكن كذلك بل كان كأنها تعاين الشىء معاينة صحيحة من غير أن تكون النفس اتصلت بالملكوت بل تكون محاكاة من المتخيلة للمحاكاة، فترجع إلى الأصل، وهذا الضرب من الرؤيا الصحيح قد يقع عن التخيل من غير معونة قوة أخرى وإن كان الأصل فيه ذلك فيرجع، وربما حاكت هذه المحاكاة محاكاة أخرى فتحتاج إلى تعبير المعبر مرة أخرى، وهذه أشياء وأحوال لا تضبط، ومن الناس من يكون أصح أحلاما، وذلك إذا كانت نفسه قد اعتادت الصدق وقهرت التخيل الكاذب، وأكثر من يتفق له أن يعبر رؤياه فى رؤياه هو من كانت همته مشغولة بما رأى، فإذا نام بقى الشغل به بحاله، فأخذت القوة المتخيلة تحاكيه بعكس ما حاكت أولا، وقد حكى أن هرقل الملك رأى رؤيا شغلت قلبه ولم يجد عند المعبرين ما يشفيه فلما نام بعد ذلك عبر له فى منامه تلك الرؤيا، فكانت مشتملة على أخبار عن أمور تكون فى العالم وفى خاص مدينته ومملكته، فلما دونت تلك الإنذارات خرجت على نحو ما عبر له فى منامه، وقد جرب هذا فى غيره،
পৃষ্ঠা ১৭৭