وفى هذا التفصيل فوايد: أحدها الشعور بهذا الاختلاف؛ والثانى ليكون الموضوع المستعمل فى نسبتى " فى " و " على " المذكورين بعد معنى كالجامع، ثم تفصل النسبة إليهما، أعنى إلى نسبة " فى " وإلى نسبة " على " ، وأن يكون بين العرض والصورة فرق، وأن يحتاج إلى أن يقال إن شيئا واحدا قد يكون عرضا وجوهرا؛ وهذه أشياء ستعرفها عن قريب، وتعرف ما فى إغفال هذا الأصل الذي أعطيناك من الخلل. فنقول: إن الأمر الذي ينسب إلى موضوع تكون نسبته إليه على وجهين: فإنه إما أن يكون بحيث يمكن أن يقال إن الموضوع هو كالحيوان الذي يمكن أن يقال إن الإنسان هو، حين يقال إن الإنسان حيوان، ومثل هذا، فهو المحمول على الشئ والمحمول على الموضوع؛ وإما أن لايكون بحيث يمكن أن يقال إنه هو، بل يقال إن فيه ذلك كالبياض الذي لايمكن أن يقال لموضوعه، إذا فرض ثوبا أو خشبة، إنه هو، فلا يقال ألبتة إن الثوب بياض أو الخشبة بياض ولأنه موجود للموضوع، فإما أن يقال: إن الثوب ذو بياض، أو يقال: إن الثوب مبيض أو أبيض. وهذا لايكون بالحقيقة محمولا بالمعنى على الموضوع كما هو، بل إنما يكون المحمول بالمعنى لفظا مشتقا من لفظه، أو مؤلفا من لفظه ولفظ النسبة، أو يكون حمله بالاشتراك فى الاسم لا فى المعنى؛ ولكن مثل هذا، وإن لم يكن محمولا على الموضوع، فهو لامحالة يكون موجودا فيه. والموضوع، لما يحمل عليه إذا اعتبر مأخوذا بنفسه، من غير إلحاق سور به، فإنه لايخلو إما أن يكون كليا أو جزئيا فإن كان جزئيا فالمحمول عليه إما أن يكون كليا أو جزئيا، فإن كان جزئيا لم يكن ذلك الجزئى غيره؛ فإن الجزئيين المتباينين لايحمل أحدهما على الآخر. وإذا كان كذلك لم يكن هو فى الحقيقة موضوعا ومحمولا على نفسه بحسب الطبع، بل بحسب القول واللسان، كما تقول: إن زيدا هو أبو القاسم أو هو ابن عمرو، اللهم إلا أن تعنى بابن عمرو معنى يجوز أن يشاركه فيه آخر فيكون كليا. فإن خصصته به، لم يكن ابن عمرو إلا هذا، وهذا هو زيد. وكذلك لو قلت هذا الأبيض هو هذا الكاتب، فإنما تشير إلى موضوع واحد؛ وليس كونه هذا الأبيض أولى بأن يوضع أو يحمل من الآخر، وإن كانت طبيعة الإنسان فيه أولى بأن توضع من طبيعة الكاتب، أعنى المطلقين؛ وأما هذا الكاتب فهو بعينه هذا الإنسان. وإن أخذت أحدهما، من حيث هو هذا الإنسان بلا شرط فوق هذه الإنسانية، وأخذت الآخر بإزائه كذلك أيضا، لم يحمل أحدهما على الآخر؛ فإنه ليس إنسان ما، من حيث هو هذا الإنسان، هو هذا الكاتب؛ ولا هذا الكاتب، من حيث هو هذا الكاتب، هو هذا الإنسان؛ أعنى من حيث الاعتباران المختلفان، إذا وجهت الالتفات فى كل واحد منهما إلى اعتباره الواحد مجردا بشرط أن لاتلتفت إلى شئ آخر. ثم الاعتباران متباينان؛ ولهذا ليس هذا الكاتب ، من حيث هو هذا الكاتب، هو هذا الطويل، من حيث هو هذا الطويل؛ بل أحدهما مسلوب عن الآخر؛ ولا حمل ولا وضع، وليس أحدهما موضوعا للآخر ولا مقولا عليه، أى بالإيجاب. وأما إن كان الموضوع كليا، فإن المحمول عليه بالحقيقة لايكون إلا كليا؛ فإن طبيعة الكلى لاتكون موضوعة بنفسها للشخصية من غير إلحاق سور الجزئى، وإلا لكانت الطبيعة الكلية تستحق فى طبعها لأن تكون هذا المشار إليه.
পৃষ্ঠা ৫০