ومباينة أخرى أن الجنس يحمل على كل واحد من الأنواع حملا كليا، ولا ينعكس؛ إذ لايقال: وكل حيوان إنسان، كما يقال: كل إنسان حيوان. وأما الخاصة فإنها تنعكس، إذ كل إنسان مستعد للضحك، وكل مستعد للضحك إنسان. وهذه المباينة بين الجنس والخاصة الدائمة العامة، أو بين طبيعتى الجنس والخاصة مطلقا؛ إذ تلك لا تحتمل وهذه تحتمل، أعنى هذا العكس. ويتبع هذه مباينة هى في ضمن تلك، وهى أن الخاصة، وإن كانت لكل النوع ودائما كالجنس، فإنها لاتكون لغير النوع، والجنس يكون. ومباينة أخرى منتزعة من المباينة الأولى، وهى أن الجنسيرفع الخاصة برفعه، من غير عكس. ومن شاء أن يجعل هذه مباينة غير المباينة المعلقة بالتقدم والتأخر، لم تعوزه الحيلة فيه، ولكنه يكون قد أمعن في التكلف. وأما الجنس والعرض فيشتركان في أن كل واحد منهما يقال على كثيرين، وهو المشاركة العامة؛ وليته قال ((على كثيرين مختلفين بالنوع))، فكان أورد مشاركة خاصة بين العرض والجنس، خصوصا ولم يذكر مشاركة أخرى. وأما المباينة الأولى فإن الجنس قبل النوع كما علمت. فإما النوع فهو قبل ما يعرض له، لأنه إن كان ما يعرض له منبعثا عن نوعيته، فتكون نوعيته قد تقررت بفصله، ثم لحقه ما لحقه، وهذا قد فرغ لك من شرحه. وإن كان من الأعراض التي تعرض من خارج، فيكون النوع أولا قد حصل موضوعا حتى استعد لقبول ذلك العارض من خارج؛ لكن هذه المباينة موجودة أيضا بين الجنس والخاصة.
والمباينة الأخرى قد ذكرت هكذا: إن الأشياء التي تحت الجنس تشترك فيه بالسوية. وهذه عبارة محرفة ردية؛ لأنها تشير إلى فرق موجود بين موضوعاتهما، ليعاد ثانيا فيستدل بذلك على الفرق بينهما، بل كان يجب أن يقول: إن الجنس لايحمل على الأشياء التي تحته إلا بالسوية، وذلك يحمل لا بالسوية، فيكون الفرق واقعا في أول البيان، بل كان يجب أن يقول: والأعراض ربما حملت لا بالسوية؛ فإنه ليس جميع الأعراض تحمل إلا بالسوية كالمربع والمثلث وأمور أخرى. ولفظ الرجل يوهم أن كل عرض يحمل لا بالسوية، ثم يأمل من هذا أنه إذا جاز في الأعراض أن يكون فيها محمول لا بالسوية، فما المانع أن يكون كذلك في الخواص ؟ فعسى أن يكون كون هذا أعم وذلك مساويا، مما يرخص لهذا فيما لايرخص فيه لذلك.
والمباينة التي هى بعد هذه أن الأعراض توجد في الأشخاص على القصد الأول. وأما الأجناس والأنواع فهى أقدم من الأشخاص. وهذه المباينة عجيبة التحريف والتشويش؛ فإنه كان يجب أن يقول: إن الأعراض توجد في الأشخاص على القصد الأول، والأجناس والأنواع لاتوجد على القصد الأول. أو يقول: إن الأجناس والأنواع أقدم من الأشخاص، والأعراض ليست أقدم، وما المانع من أن يكون الشئ أقدم وموجودا على القصد الأول ؟ ثم إن كان معنى القصد الأول هو أن يحمل عليها لا بواسطة شئ، فإن النوع كذلك. وأما الجنس فعساه أن لايكون كذلك؛ فإنه يحمل على الشخص بتوسط النوع. وأما النوع، فإنه محمول على الشخص بالقصد الأول، أو يشبه أن يكون الرجل قد سها في إيراد لفظة النوع، فقد كان مستغنيا عنه، إذ كان وكده الاشتغال بالتمييز بين الجنس والعرض.
والمباينة التي بعد هذه هى أن الأجناس تقال من طريق ماهو، والأعراض لاتقال. وهذه المباينة موجودة أيضا بين الجنس والخاصة، وقد أغفلها هنالك.
الفصل الثالث (ج) فصل في المشاركات والمباينات الباقية
وأما الفصل والنوع فيشتركان بأنهما يحملان على ماتحتهما بالسوية.
والمشاركة الأخرى أنهما ذاتيان؛ وهذه تقع أيضا بين الجنس والفصل، ولم يذكرها.
وأما المباينة فإن حمل النوع من طريق ماهو، وحمل الفصل من طريق أي شئ هو، وإن الأنسان، وإن صلح أن يكون جوابا عن أى الحيوان، فليس ذلك له أولا وبذاته، بل بسبب الناطق. وقد بحث عن هذا قبل.
والمباينة الأخرى هى أن النوع لايوجد ألبتة إلا محمولا على كثيرين مختلفين بالعدد فقط، والفصل في أكثر الأحوال أو في كثير من الأحوال يحمل على كثيرين مختلفين بالنوع. وهذه المباينة بين الفصل والنوع السافل، لابين الفصل والنوع المطلق.
পৃষ্ঠা ৩৮