ولا بأس أن يدخل الشىء فى مقولتين، على وجهين؛ أما فى أحدهما فبالذات، على أنه نوع له. وأما فى الآخر، فبالعرض، على أنه موضوع لعروضه له. فهكذا يجب أن يفهم هذا الموضوع؛ ولا تلتفت إلى عمى قلوب هؤلاء الذين يظنون أن الشىء يكون فى جنس وأنواعه فى جنس مباين له والعجب أن هؤلاء قد نسوا أن هذا الرسم المذكور للمضاف، وهو أنه الذى ماهيته مقولة بالقياس إلى غيره، رسم قد زيف، لأنه كان يدخل فى المضاف ما ليس من المضاف، وأنه محتاج إلى زيادة وثاقة، وبينهم وبين هذا الموضع قريب من ثلاث ورقات، حتى جاءوا وسلموا أن العلم داخل فى المضاف بطبيعته، على أنه نوع من المضاف وأنواعه ليست تحته. فلزمهم أن يحلوا هذا الشك، ونسوا أن مثل هذا الشك، قد سلف ذكره فى الجواهر أيضا، فكان حل الشك فى آخر الأمر يوجب، أن ما تخصص فزال كونه مقولا بالقياس إلى غيره، دل ذلك منه على أنه ليس من مقولة المضاف، وعلى أن الحد الثانى، المحصل المحقق، الذى للمضاف، غير مقول عليه. ونسوا أن الشىء، إذا قيل على الشىء قول المقول على الموضوع، وقيل هذا المقول عليه كذلك على ثالث. فإن الأول يقال على الثالث كذلك؛ ونسوا أنهم كانوا يفهمون من المقول على الموضوع، أنه يجب أن يكون ذاتيا مقوما للماهية، فلم يعلموا أنه إذا كان المضاف جنسا للعلم، كان مقوما لماهيته؛ ثم العلم، جنس للنحو، ومقوم لماهية النحو، ومقوم الماهية لمقوم الماهية مقوم الماهية. فكيف ينقلب النحو من جنبه المضاف حتى يذهب إلى كيف الكيفية؟ سواءكان تأويلهم المقول على الموضوع حقا أولم يكن.ونسوا أنهم علموا،أن الأشياء المتباينة الخواص، لا يحمل منها على آخر، فإذا كان كل نحو فى ذاته، وماهيته، محمولا عليه الكيف، ولا شىء من الكيف يقال عليه المضاف فى ماهيته على أن لا يكون له وجود، إلا ما هو به مضاف لا على أنه لا يعرض له الإضافة، أنه يلزم من ذلك أن يكون لا شىء من النحو يقال عليه المضاف فى جوهره، وكل علم عندهم نوع من المضاف، فيقال عليه المضاف فى جوهره، فيلزم أن لا شىء من النحو بعلم، وهذا خلف.
لكنه لا يجب أن تلتفت إلى هؤلاء، بل تفهم أن ما قيل فى قاطيغورياس، كان الغرض فيه ما أومأنا إليه. لكن، لقائل أن يقول: إن حكم النحو حكم العلم، فإن النحو نحو بالقياس إلى شىء هو إعراب اللغة. والجواب عن ذلك، أن إعراب اللغة ليست ماهيته، من حيث هو إعراب اللغة، مقولة بالقياس إلى النحو، فكيف يكون النحو مضافا إليه ؟ والمتضايفان كما علمت، كل واحد منهما، مقول بالقياس إلى الآخر، لكن إعراب اللغة، مقول بالقياس إلى النحو، من حيث هو معلوم، حتى لو كان إعراب اللغة موجودا ألف سنة ولم يعلم لم يكن مقولا بالقياس إلى النحو. فإذا كان كذلك، فمقابل المعلوم، من حيث هو معلوم، العلم أو العالم من حيث هو عالم، فلما لحق إعراب اللغة المعلوم، فصار إعراب اللغة معلوما ما، صار بإزائه هيئة نفسانية، هى علم.
فالهيئة النفسانية التى هى علم، جملتها مقولة بالقياس إلى هذه الجملة، فإذا فصلت الهيئة، فالفت إلى كونها هيئة ولم يلتفت إلى ما عرض لها من إضافة إلى خارج صار بها علما، كان وجودا غير مضاف. وكذلك إذا التفت إلى إعراب اللغة، وفصلت عنه كونه مطابقا له هيئة نفسانية، حتى زال عنه أنه معلوم، كان وجودا غير مضاف. وكذلك هذا الرأس: فإنه من حيث هو رأس، مضاف إلى البدن من حيث هو ذو رأس. فإذا اعتبر الجوهر المشار إليه، ولم يجب أن يكون النظر إليه من حيث هو هذا، نظرا فى أنه رأس، كان له وجود خاص، وكذلك فى جانب ذى الرأس. نعم الإضافة اللاحقة هناك، لازمة للهيئة التى فى النفس، وليست لازمة للرأس؛ فكذلك الرأس نفسه إذا حصل لم يجب تحصيل الآخر.
وليس إذا قلنا: إن أحد المضافين الحقيقين، إذا عرف بالتحصيل، عرف الآخر بالتحصيل، لزم عكسه، أن كل ما لزم العلم بتحصيل مضايفه، عند العلم بتحصيله، فهو مضاف حقيقى، بل قد يكون هذا فى المضاف الحقيقى، ويكون أيضا فيما لا ينفك عن ملازمة الإضافة له، فإن ذلك إنما ورد هناك، ليس لأن يبين أن كل ما كان ذلك شأنه، فهو مضاف حقيقى، بل أن يبين، أن ما ليس ذلك شأنه، فليس مضافا حقيقيا، فيزول الشك المذكور فى الجواهر، وكان تصحيحه واحتجاجه، يتوجه إلى أن المضاف الحقيقى الذى وجوده هو أنه مضاف، إذا عرف بالتحصيل، عرف كذلك مضايفه. وكان الجوهر وأشياء أخرى عددت ليس كذلك؛ فتحل الشبهة.
فإنه ما أورد مورد ذلك البيان بيانه وحجته إلا على هذا، ولم يتعرض لعكسه، ولا زعم أن هذه خاصية للمضاف الحقيقى وحده بوجه من الوجوه، ولا كانت له إلى ذلك حاجة، بل إلى هذا على ما بينا. وأضاف إليها، أن الرأس وما يجرى مجراه ليس كذلك، فأنتج أنه ليس من المضاف الحقيقى، وقد بينا ذلك الموضع على ما يجب.
الفصل الخامس فصل (ه) في الأين وفي متى
পৃষ্ঠা ১৩২