فحرى بنا أن نتأمل الحال فيما تكلفوه من القسمين ليكون لك من ذلك سبيل إلى فصل القضية فيما يطرأ عليك من وجوه قسمتهم فنقول: إن هذه الوجوه من القسمة كلها غير صناعى ومتكلف قبيح التكلف، أقبح كثيرا جدا مما تكلفناه.
أما القسمة الأولى فمن موجبها أن يكون سواد الغراب مباينا فى نوع سواديته لسواد مقتنى مكتسب. ويعرض من ذلك أن لا تكون الملكات والحالات نوعا واحدا من جملة ما خرج بالقسمة، بل تكون نوعا ثانيا هو نوع تحت بعض ما خرج من القسمة على نحو ما قال القاسم: " فمنها الملكات والحالات " . وعلى أن هذا القول يوجب أن يكون للملكة والحال قسائم أخرى، إذا عدت الملكة والحال؛ وجب أن تعد هى معها؛ فتزيد الأقسام على الأربعة.
وقوله: " منها ما يكون بالقوة ومنها ما يكون بالفعل " ؛ إن عنى بذلك أن هيئة الصلوح للمصارعة وهيئة المصحاحية والممراضية هى معان من باب الكيفية ليست المصارعة نفسها ولا الصحة نفسها ولا المرض نفسه فذلك تعبير ردىء جدا؛ فإنه لو قال: " منها ما هو قوة ومنها ما هو فعل حاصل " ، لكان له وجه بعيد، وان تعذر ؛ لأن الشىء الذى بالقوة هو الشىء الذى ليس بموجود ويصح أن يكون موجودا.فإن كان الذى هو بالقوة هو المصحاحية لا الصحة فيكون هذا النوع هو المصحاحية بالقوة، فيكون من أنواع الكيفية ما هو مصحاحية معدومة. وإن عنى بهذا اللفظ ليس أن المصحاحية تكون فى نفسها بالقوة فى وجودها بل أنها تكون بالقوة شيئا آخر، فيكون قد جعل المصحاحية صحة بالقوة، فيكون الشىء الذى هو بالقوة صحة هو المصحاحية، فتصير المصحاحية صحة وقتا. وليس ولا شىء من الأعراض يصير الآخر؛ إذ ليس لها فى أنفسها شىء مشترك. وإن لم يعن بما يالقوة المصحاحية بل الصحة التى بالقوة، حتى تكون الصحة، إذا كانت صحة معدومة جائزا وجودها كانت من نوع؛ وإذا صارت بالفعل كانت من نوع؛ فسيكون المعدوم كيفية موجودة.
ومع ذلك فقد تضاعف أنواع الكيفية، إذ كل واحد من الأنواع قد يكون بالقوة أيضا؛ فهذا هذر. وإن لم يعن ما قلناه ولكن عنى أن ذلك الشىء إما أن يكون قوة وإما أن يكون فعلا؛ وعنى بالقوة الشىء الذى يقابل الفعل الذى هو الحصول لا الفعل الذى هو التأثير أو ما أشبهه، ومقابل ذلك الفعل هو الاستعداد لأمر ما، حتى تكون لقسمته إلى قوة وفعل وجه، فيجب أول شىء أن ينظر هل هذه التى نسميها فعلا ليست فى أنفسها قوى، فيشبه أن تكون الحرارة قوة، إذ يستعد بها نحو أمر ما. وكذلك البرودة وكذلك الألوان والمذاقات والروائح؛ فإن الشىء ذا الرائحة مستعد لأن يؤثر تأثيرا ما. وقد تستعد بعض هذه الكيفيات لانفعال ما، كالرطوبة؛ أو للا انفعال ما أو عسر انفعال ما، كاليبوسة، إلا أن يقول قائل: إن الحرارة فى ذاتها أمر ما، وأما الاستعداد لأن يؤثر بها فهو معنى لازم للحرارة؛ لأن الحرارة فى طبيعتها كيفية؛ وأما الاستعداد فأمر يعرض لها من حيث تصلح أن تكون مقولة بالقياس إلى شىء أو بالنسبة إليه. وأما الذى كلامنا فيه فنفس الاستعداد الذى يكون للجوهر لا شىء يعرض له الاستعداد.
فإن قيل هذا لزم أن يكون هذا الباب أوسع مما قالوه؛ بل يلزمهم أن يجعلوا هذه الاستعدادات التى للحرارة وغيرها من باب الكيف، وتكون كيفيات عارضة للحرارة ولغيرها؛ وهذا ليس مذهبهم. وليس عندهم أن الحرارة عرض لها كيفية من باب الاستعداد غير الكيفية المقولة عليها، فصارت مستعدة بها؛ ولا هذا مما يصلح أن يقال ويعتقد. فإن طيبوا أنفسهم قائلين: إن كلامنا فى استعدادات الجواهر فى ذواتها؛ وجب أن تكون المصحاحية استعدادا للصحة فى الجسم، ووجب أن يكون الممراض فيه مصحاحية؛ فإنه لا يعرى عن استعداد للصحة. وإن جعلوه استعدادا بحال، فربما صاروا إلى الصواب؛ لكن قولهم وعبارتهم لا تشير إلى ذلك إلا بتكلف وتعسف. فلم يحسنوا إذن أن يقسموا هذه القسمة.
পৃষ্ঠা ১১৩