إن فى الوقوف على ما فصلناه من أمر هذه الخمسة غنى للمحصلين عن إيراد المشاركات والمباينات بين هذه الخمسة، لكنه قد جرت العادة فى الكتب المدخلية بإيراد ذلك، فلنحتذ فى ذلك حذوهم، ولنقتصر على ما أوردوه منه، ولنبدأ بالمشاركات فنقول: إن المشاركة التى تعم الخمسة هى أنها كلية أى مقولة على كثيرين. وإذا اعترف بهذا مصنف المدخل، فقد اعترف بنقص الرسوم التى للفصل والخاصة والعرض، إذ أغفل فيها ذكرالكلية. وتشترك جميعها فى شيء آخر، وهو أن كل مايحمل على المحمول منها الحمل الذى يحمل به المحمول على موضوعه، فإنه يحمل على موضوعه؛ فطبيعة جنس الجنس محمولة على ما يحمل عليه الجنس، وكذلك جنس الفصل، وفصل الفصل؛ وكذلك ما يحمل على الخاصة والعرض؛ فإن الملون الذى هو جنس الأبيض يحمل على زيد الأبيض، إذ يحمل على عرضه العام، وكذلك المرئى، الذى هو عرض الأبيض، يحمل على زيد الأبيض، إذ يقال لزيد والأبيض مرئى؛ وكذلك المتعجب الذى هو جنس الضحاك، فإن جميع هذه تحمل بالتواطؤ، أى تعطى ماتحمل عليه أسماءها وحدودها؛ والجنس والفصل يعمهما. فى المشهور أن طبيعة الجنس يجب فيها أن تقال على أنواع، وإن لم يجب ذلك فيها، فليس ذلك يمتنع فيها، وعلى الشرط الذى ستفهمه وقتا ما. وكذلك ليس يمتنع فى طبيعة الفصل أن يقال على غير نوعه، لكن على هذا مافرغنا عن ذكره سالفا. وقد مثلوا لذلك الناطق، فإنه يحوى أنواعا، وقد علمت مافى هذا، ومع ماقد علمت فلم يحسنوا فى إيرادهم هذا المثال؛ فإن الناطق إنما يحوى أنواعا كثيرة ليست هى الأنواع القريبة منه، بل هى أنواع النوع الواحد الذى قومه الناطق عندهم، حين أضيف إلى الحى؛ وهذا أيضا قد فرغنا منه. فإن لم يعنوا بذلك الأنواع القريبة، بل أى أنواع كانت، فيجب أن لا ينسوا هذا حين يشاركون بين الجنس والنوع، فإن من الأنواع مايحوى أنواعا، ولا يجعلون هذا مشاركة بين الجنس والنوع. والمشاركة الثانية المشهورة هى أن الجنس والفصل يشتركان فى أن كل مايحمل عليهما من طريق ما هو، فإنه يحمل على ماتحتهما من الأنواع. وقد علمت أن هذه المشاركة ليست تخص الجنس والفصل، بل هذه عامة، إلا أن يقال إن مايحمل عليهما من طريق ما هو، يحمل على ماتحتهما من طريق ماهو. وهذا شىء لم ينطق به مصرحا، ولو نطق به لصح، إذا عنى بالحمل من طريق ماهو غير مايعنى بالحمل فى جواب ماهو، كما سنوضح لك عن قريب. والمشاركة الثالثة المشهورة أن رفعهما علة رفع ما تحتهما من الأنواع؛ فإنه إذا رفعت الحيوانية والنطق ارتفع الإنسان والفرس وغير ذلك. وهذه المشاركة تابعة لمشاركة هى الأصل، وهى أن كل واحد منهما جزء ماهية النوع ومقوم له، فهذا هو الأصل وذلك الفرع، وهذه خاصية مشتركة بين الجنس والفصل لاتوجد لغيرهما. وأما الخواص التى يباين بها الجنس غيره، فأول المشهورات منها هو أن الجنس يحمل على أكثر مما يحمل عليه الفصل والنوع والخاصة والعرض. أما أن الجنس أكثر حويا من الفصل والنوع والخاصة، فهو أمر طاهر؛ فإن الخاصة تخص النوع؛ وكذلك الفصل، ولكن بشرط لم يشرطه، وهو أن يقايس بين الجنس وبين فصل تحته وخاصة تحته. وأما العرض فليس بينا بنفسه أنه يجب أن يكون أقل من الجنس، وذلك أن خواص المقولات العشر التى نذكرها بعد، هى أعراض عامة لأنواعها، وليست أقل من الجنس فى عمومها، بل منها ما هو أعم وأكثر، كما أن كون الجوهر ثابتا على حد واحد فلايقبل الأشد والأضعف هو أعم من الجوهر. فإن قال قائل: إن هذا سلب، وليس تحته معنى، فقد يمكننا أن نجد لوازم وعوارض أعم من مقولة مقولة، كالواحد وكالموجود، بل كالمحدث، بل مثل الحركة فإنها اكثرمن الحيوان الناطق، وهو جنس عنده للإنسان. والمباينة الثانية المذكورة بين الجنس والفصل فهى أن الجنس يحوى الفصل بالقوة، أى إذا التفت إلى الطبيعة الموضوعة للجنسية، لم يجب نبوت الفصل لها، ولم يمتنع، بل كان وجوده لها بالإمكان، فكان إمكانه إمكانا لايستوفى طبيعة الجنس، بل يبقى لمقابله من طبيعته فصل. وهذا معنى الحوى، فإن الحاوى هو الذى يطابق كل شىء ويفضل عليه. والمباينة الثالثة هى أن الجنس أقدم من الفصل؛ وذلك لأن الجنس قد يوجد له الفصل المعين، وقد لا يوجد له، والفصل إنما وجوده فى الجنس، ولذلك لا ترتفع طبيعة الجنس برفع طبيعة الفصل، وترتفع طبيعة الفصل برفع طبيعة الجنس. وفى هاتين المباينتين موضع شك، فإن من الفصول مايقع خارجا عن طبيعة الجنس، مثل الانقسام بمتساويين، فإنه فصل الزوج فيما يطن، ويقع خارجا عن العدد؛ لكن الجواب عن هذا سيلوح لك فى مواضع أخرى. والمباينة الرابعة هى أن الفصل يحمل من طريق أى شىء هو، والجنس يحمل من طريق ماهو، وهذا القول بانفراده لايكون دالا على المباينة ؛ فإن شيئين إذا وصفا بوصفين مختلفين لم يكن ذلك دليلا على مباينتهما. فإن قائلا لو قال: إن المباينة بين زيد وبين عمرو هى أن هذا حساس وذلك ناطق، أو أن هذا ملاح وذلك صائغ، لم يكن هذا القدركافيا فى التفريق، فإن الوصفين المختلفين فى المفهوم ربما جاز أن يجتمعا، فلا يبعد أن يكون كون زيد حساسا و إن كان فى المفهوم مخالفا لكون عمرو ناطقا هو مما لايوجب أن يباين به زيد عمرا، فلا يستحيل أن يكون كل واحد منهما مع أنه حساس ناطقا أيضا؛ لأن الأوصاف المختلفة المفهومات قد تجتمع فى موصوف واحد؛ وكذلك الملاح والصائغ، بل يجب أن يكون بينهما قوة السلب، حتى يكون الحساس يلزمه أن لا يكون ناطقا، والناطق أن لا يكون حساسا. ثم كون الجنس مقولا فى جواب ما هو لا يمنع أن يكون مقولا فى جواب أى شىء هو، على أصول هؤلاء، ولا بينهما قوة هذا السلب، فإنه لا يمتنع أن يكون ما يقوم ماهية الشىء يميزه عما ليست له تلك الماهية، حتى يكون بالقياس إلى ما يشترك فيه مقولا فى جواب ما هو، وبالقياس إلى ما يفترق به مقولا فى جواب أى شىء هو؛ فهذا القدر لا يمنع أن يكون جنس الشى هو أيضا فصلا له باعتبارين، إن كانت المباينة المطلوبة هى هذه، ولا يوجب أن لا يكون جنس الشىء ألبتة البتة فصلا له. وأما أن يكون فصل الشىء جنس شىء آخر فذلك مما لا يمنعونه فيما أقدر، وذلك كالحساس فإنه جنس بوجه للسميع والبصير، وفصل للحيوان. فإن قال قائل: إن الشىء الواحد قد يكون جنسا وفصلا لشىء واحد فإنه، وإن كان جنسا وفصلا لشىء واحد، فإن اعتبار أنه جنس غير اعتبار أنه فصل، وقال: نحن إنما نريد أن نوضح الفرق بين الاعتبارين اللذين يطلق على أحدهما اسم الحنسية، وعلى الآخر اسم الفصلية، لم نخالفه، ولم نبكته، ولم ننازعه فى التسمية، ولكنه يكون غير من كلامنا معه؛ لأن كلامنا مع الذى دل باسم الجنس والفصل على طبيعتين مختلفتين اختلافا لا يكون الشىء الواحد بالقياس إلى موضوع واحد موصوفا بكلا الطبيعتين، بل يجعل احدى الطبيعتين صالحة لأحد الجوابين، والطبيعة الأخرى صالحة للجواب الآخر لكن الوجه الذى ذهبنا نحن إليه فى تفهم المقول فى جواب ما هو، والمقول فى جواب أى شىء هو، يعلمك أن المقول فى جواب ماهو، لايكون مقولا فى جواب أى شىء هو، وبالعكس، فتكون هذه المباينة على ذلك الوجه صحيحة. لكن لقائل أن يقول: إنكم قد أطلقتم القول فى عدة مواضع إن الفصل أيضا قد يقال من طريق ما هو، وخصوصا فى كتاب البرهان فنقول: إنه فرق بين قولنا إن الشىء مقول فى جواب ما هو، وبين قولنا إنه مقول فى طريق ما هو؛ كما أنه فرق بين قولنا "الماهية" وبين قولنا "الداخل فى الماهية" فالمقول من طريق ما هو كل ما يدخل فى الماهية، ويكون فى ذلك الطريق، وإن لم يكن وحده دالا على الماهية؛ والمقول فى جواب ماهو، هو الذى وحده يكون جوابا إذا سئل عماهو. فالفصل يدخل فى الماهية ويكون مقولا من طريق ما هو؛ إذ هو جزء الشىء الذى يكون جوابا عن ما هو، لكنه ليس هو وحده مقولا فى جواب ما هو. وقد قال بعض الفضلاء: إن الفصل قد يكون مقولا فى جواب ما هو أيضا فى بعض الأشياء دون بعض، والجنس دائما دال على ما هو؛ ذلك لأن الجنس يدل دائما على أصل ذات الشىء؛ وأما الفصول فربما كانت مناسبات وإضافات إلى أفعال وانفعالات أو أمور أخرى؛ فلذلك يجعل الجنس أولى منه بما هو. وفى هذا الكلام خللان: أحدهما أن ما كان من الفصول يجرى هذا المجرى، فلا يكون فصلا مقوما، بل يكون من الفصول اللوازم؛ والآخر أن الشىء إذا أريد أن يفرق بينه وبين الشى ء الآخر بوصف، يجب أن يكون الوصف الذى يفرق بينه وبين الآخر موجودا له دون الاخر وجودا على الثبات، اللهم إلا أن لاتجعل التفرقة بالوصف، بل بأكثرية الوصف وأخلقيته؛ فيقال مثلا: إن الجنس هو الذى هو أحرى بأن يكون مقولا فى جواب ماهو، والفصل هو الذى ليس هو بأحرى؛ فيكون الاختلاف ليس من جهة هذا الوصف، بل من جهة القمن، اذ هو موجود لأحدهما دون الآخر؛ فإن فعل ذلك كان فيه عدول عن حقيقة التعريف إلى أمر إضافى عرضى؛ وإن لم يفعل ذلك فيكون بين الجنس وبعض الفصول مشاركة فى الحد، وبين الجنس وبعضها مباينة فى الحد. والمباينة التى بعد هذه هى أن الجنس لا يكون للأنواع إلا واحدا، والفصل قد يكون أكثر من واحد، كالناطق والمائت للإنسان. وفى إطلاق هذه المباينة بهذا المثال خلل؛ لأنه إن أخذ الجنس كيف كان، لا قريبا ملاصقا فقط، وجد للشىء أجناس كثيرة أيضا؛ فإن الأجناس فى العموم قد يوجد الكثيرمنها للشىء الواحد، ولكنها لا تكون كلها أجناس الشىء بالحقيقة، بل بعضها أجناس جنسه، وكذلك قد توجد فصول كثيرة متفاوتة فى الترتيب، ولكنها لا تكون كلها فصول الشىء بالحقيقة، بل بعضها فصول جنسه، كما متل به؛ فإن الناطق ليس فصلا قريبا للإنسان على هذه الطريقة التى رتبوا عليها قسمتهم،، بل هو فصل جنسه. وإنما فصله الملاصق على هذا المذهب هو المائت، وهذا فى مثاله واحد، بل كما أن الجنس الأقرب الذى ليس بجنس الجنس هو فى مثاله واحد، كذلك الفصل الأقرب الذى ليس بفصل الجنس هو فى مثاله واحد، وهو المائت. لكن قد يوجد لهذا الموضع أمثلة أخرى مثل الحساس والمتحرك بالإرادة؛ فإنهما على ظاهر الأمر فصلان قريبان للحيوان، فيكون الجنس القريب ليس إلا واحدا، والفصول القريبة قد تكون اكثر من واحد. وأيضا فإن هاهنا وجها آخر، وهو أن الأجناس الكثيرة ينحصر بعضها فى بعض، حتى يحصل آخرها جنسا واحدا؛ والفصول الكثيرة تكون متباينة لا يدخل بعضها فى بعض. واشباع القول فى هذا من حق صناعة أخرى. والمباينة التى بعد هذا هى أن الجنس كالمادة، والفصل كالصورة، ويتم بيان ذلك بأن يقال: والذى كالمادة يخالف الذى كالصورة. وأما أن الجنس ليس بمادة، بل كالمادة، فلأن المادة لا تحمل على المركب حمل أنه هو، والجنس يحمل على النوع حمل أن الجنس هو، وأن المادة الموضوعة لصورتين متقابلتين لا تنتسب إليهما بالفعل إلا فى زمانين، والجنس يكون مشتملا على الفصلين المتقابلين فى زمان واحد. وها هنا فروق أخرى تذكر فى غير هذا الموضع. وإذ الجنس ليس مادة، فليس الفصل صورة. وأما أنه كالمادة، فلأن طبيعته عند الذهن قابل للفصل، وإذا لحقه الفصل صار شيئا مقوما بالفعل، كما هو حال المادة عند الصورة. وإذ الجنس للفصل كالمادة للصورة، فالفصل للجنس كالصورة للمادة.
[الفصل الثانى] (ب) فصل فى المشاركة والمباينة بين الجنس والنوع
পৃষ্ঠা ৯৮