والشركة بين المذهبين إنما هى فى شىء واحد، وهو أن الماء لم يستحل حارا، ولكن الحار نار يخالطه والفرق بينهما أن أحدهما يرى أن النار قد كانت فى الماء، لكنها كانت كامنة، والثانى أن النار لم تكن فيه، ولكن الآن قد خالطته. فيجب أن نوضح فساد كل واحد من المذهبين.
فأما المذهب الأول فما يوضح فساده تأمل حال هذا الكون وما معناه. فإن جوزوا فيه تداخل الأجسام فقد ارتكبوا المحال الذى بان فساده من كل وجه. وإن لم يجوزوا ذلك، ولكن أو مأوا إلى مجاورة، ومخالطة تكون، ويكون الكامن هو المستبطن من الأجزاء، وهذا الاستبطان لا يعقل منه إلا انحصارها فى باطن الجسم وبعدها عن بسيطة وظاهره، فيجب أن يكون باطن الماء مكانا للكامن من النيران، وتكون كيفية ذلك المكان مثل كيفية الماء المسخن الذى لا يفعل تسخينه أمرا غير إبراز الكامن فيه إلى ظاهره؛ بل يجب أن يكون أسخن من ذلك بكثير، وذلك لأن الانحصار فى الباطن أجمع من الانتشار فى الظاهر. والمعول على تصديق هذه القضية و تكذيبها هو على الحس. فإن ظاهر الماء وباطنه، وأى حد وجزء أخذت منه، هو من طبيعة واحدة متشابهة.
পৃষ্ঠা ১০৩