وهكذا قول القائل: بعتُ واشتريتُ وأقرضت وأنكحت ونكحت إنشاء للعقد أو إخبارًا به، فإذا لم يكن مقصوده انتقال الملك الذي وُضِعت له هذه الصيغة، ولا ثبوت النكاح الذي جُعِلت له هذه الكلمة، بل مقصوده بعض أحكامها التي قد تحصل ضمنًا وقد لا تحصل. أو قصده ما يُنافي قصد العقد، أو قصده بالعقد شيءٌ آخر خارج عن أحكام العقد، وهو: أن تعود المرأةُ إلى زوجها، أو أن تعود السلعة إلى البائع بأكثر من ذلك الثمن، أو أن تنحلّ يمينه التي حَلَفها، ونحو ذلك. فيكون مخادعًا لله بمباشرته للكلمات التي جُعلت لها حقائق ومقاصد، وهو لا يريد مقاصدها وحقائقها، وهذا ضَرْب من النفاق في آيات الله وحدوده، كما أن الأول نفاق في أصل الدين.
يؤيد ذلك من الأثر ما روي عن ابن عباس أنه جاءه رجلٌ فقال: إن عمِّي طلق امرأته ثلاثًا، أَيُحلها له رجلٌ؟ فقال: "من يُخادع اللهَ يخدعه" رواه سعيد (^١).
وحُكِي (^٢) عن ابن عباس وأنسٍ: أن كلًّا منهما سُئل عن العينة، فقال: إن الله لا يُخدع، هذا مما حرَّمه الله ورسوله (^٣).
ورُوِيَ عن عثمان وابن عمر وغيرهما: أنهما قالا: لا نكاح إلا نكاح رغبة لا نكاح دُلْسة (^٤).
_________
(^١) هو ابن منصور في "سننه": (١/ ٢٦٢).
(^٢) كذا في الأصل و(م)، وفي "بيان الدليل": "وسيجيء".
(^٣) سيذكرهما المؤلف (ص/ ٥٠، ٥١) ومن أخرجهما.
(^٤) أخرجه عنهما البيهقي في "الكبرى": (٧/ ٢٠٨).
1 / 29