وأن نتَّقِيه، وأن نعلم أنه بكل شيءٍ عليم.
فإنه من تدبَّر هذه الأوامر = تبيَّن له أن فيها جِماع أمر الدين كلِّه، وعلمَ أن من هو بكلِّ شيء عليم لا يخفى عليه الذين يُلْحدون في آياته، ولا الذين يتخذونها هزوًا، ولا يخفى عليه من أظهر خلافَ ما في باطنه، فإن السرائرَ لديه بادية، والسِّرُّ عنده علانية.
فله الحمد كما يُحبه ويرضاه، وكما ينبغي لكريم وجهه وعِزّ جلاله، أحمده حمدًا موافيًا لِنِعَمه، مكافيًا لمزيده، وأستعينه استعانةَ مخلصٍ في توكله، صادق في توحيده، واستهديه إلى صراطه المستقيم صراطِ الذين أنعم عليهم من صفوة عبيده، وأستغفره استغفار من يعلم أنه لا ملجأ من الله إلا إليه في صدره (^١) ووروده.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادةَ مُقِرٍّ بأن الدين عند الله الإسلام، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، خاتم النبيين وسيِّد الأنام، صلى الله عليه وعلى آله الصفوة الكرام، وسلَّم عليهم سلامًا باقيًا بقاء دار السلام.
أما بعد؛ فإن الله بعثَ محمدًا بالحق، وأنزلَ عليه الكتاب، وهدى به أمته إلى الصراط المستقيم صراط الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، ولما كان العبدُ مفتقرًا إلى هذه الهداية في جميع أموره مما يأتيه ويذره؛ من أمور قد أتاها على غير الهداية، فهو محتاجٌ إلى التوبة منها، وأمور هُدِيَ إلى
_________
(^١) في "الإبطال": "صدوره".
1 / 14