81

শায়ের ও ভাবনা

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

জনগুলি

فتراك هناك وتهنأ بك ...

الأغنية التي قرأناها أغنية لم تتم، فقد اختنقت في صدر الشاعر مع غصة الفراق. إنه يتلفت بقلبه وعينيه إلى حيث تقيم المحبوبة، ولكنه لا يستطيع أن يخدع قلبه ولا يعنيه عن بعد الشاطئ واستحالة اللقاء. ومع ذلك فهو لا يزال يناجيها ويتعلق بها كما يتعلق الغريق بطوق النجاة. كيف يصدق أن حبيبته «ديوتيما» التي جسدت حلم حياته بالجمال الإغريقي وعالم الآلهة المباركين، بل أوشكت أن تتمثل أمامه واحدة من تلك القوى العلوية التي طالما حن إليها، وناشدها العودة إلى الأرض المعذبة والبشر الفانين، كيف يصدق أنه حرم منها إلى الأبد، وأنه سيهيم بعدها كما تهيم الظلال :

أنت يا من أشرت لي قديما، وأنا على مفترق الطرق،

يا من علمتني بصمتك، وأوحيت لي في هدوء

أن أرى العظمة وأغني للآلهة الصامتة،

أنت يا ابنة الآلهة ...

هل تتجلين لي وتحيينني كما كنت تفعلين،

وهل تلهمينني الحياة والسلام من جديد؟

هل ستفعل «ديوتيما» ذلك حقا، فتدب فيه الحياة، ويحلق جناحاه، ويهتف بفرحته لعودة الربيع واخضرار الأرض، أم تتركه في يأسه وحيرته، يحاصره شتاء الاكتئاب، وتطبق عليه جدرانه المظلمة الخرساء، في سجن الجنون الذي سيبقى فيه طوال الأربعين سنة الأخيرة من عمره؟ ولكن من هي هذه المحبوبة التي أطلق عليها الشاعر اسم الكاهنة الإغريقية القديمة «ديوتيما» التي أجرى أفلاطون الحكمة على لسانها في محاورة «المأدبة»، وجعلها تعلم سقراط ما لم يكن يعلم من أسرار الحب الفلسفي؟ ومن هو هذا الشاعر الذي ساقه القدر إلى طريقها كما ينساق المتجول في النوم، واندفع إليها حين تصور أن الرؤيا تتحقق والنبوءة والحلم؟ إنه فريدريش هلدرلين (1770-1843م) الذي وهب الشعر كل شيء، فأعطاه بعض أسراره الغامضة. شاعر الغربة الذي عاش غريبا في عصره وبين أهله وعلى الأرض التي اغترب عنها الآلهة الخالدون، فراح يتغنى بهم، ويحتفل بموكبهم المنتظر، ويناشدهم العودة للبشر المعذبين، وينشدهم ما ألهموه من أشعار مثقلة بالرموز والتنبؤات والإشارات، فاجتمع في شخصه ما اصطلح القدماء على فهمه من كلمة الشاعر؛ فهو الذي باركته الآلهة بوحيها، فأصبح العراف الناطق بلسانها، والوسيط بينها وبين الفانين من أبناء الإنسان، وهو الساحر والمتنبئ بالمستقبل والمنشد بصوت الشعب وآلامه، ولهذا لا نعجب أن سماه البعض شاعر الشعر أو شاعر الشعراء. •••

ولد هلدرلين في العشرين من شهر مارس سنة 1770م في بلدة «لاوفن» على نهر «النيكر» في منطقة «أشفابن» المعروفة بغاباتها وجبالها الغامضة التي غرست في سكانها حب الوطن والحنين الدائم إليه مثل حنينهم الصوفي إلى عالم مثالي موغل في البعد والخفاء والطموح.

অজানা পৃষ্ঠা