77

শায়ের ও ভাবনা

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

জনগুলি

لكن الشاعر الآن شيخ حكيم تجاوز الستين من عمره، ومهما عبثت به سحب الحب ورياحه، وحاولت أن تجدد شجرة عمره التي أوشكت على الذبول، فهو لا ينصح الإنسان بالاستقرار فوق الأرض الصلبة، وإنما يغريه بالعلو عليها والصعود إلى أعتاب الألوهية. وها هو الإحساس الغريب يستولي على الإنسان بعد أن يخمد بركان الحب وتبرد حمى الشهوة، ويلتفت إلى شمعة جسده، فيجدها مطرقة صامتة، ويتملكه إحساس آخر بضرورة التحليق إلى درجة أرقى من درجات الحب والحياة والخروج من سجن الظلام الأرضي الذي لفه في عتمة ليل كئيب، وترفرف فراشة الروح لتغادر سجن الأرض والجسد والمادة، ولكن إلى أين؟

ينشر الشوق جناحيه إلى

وحدة أعلى وإنجاب عجيب.

إلى حب من نوع آخر، إلى «إنجاب» يختلف عن ذلك الذي استغرق كيانه الجسدي في حياته على الأرض، إلى اتحاد أسمى بالمحبوب الأسمى وهو الله. في هذا الاتحاد الذي طالما وصف لنا متصوفو الشرق وشعراؤه مختلف درجاته ومقاماته وأحواله تحترق فراشة الروح في اللهب الأكرم والأصفى، تتعذب وتتطهر وتفنى، وفي هذا الفناء تلمس حقيقتها، وتجد ذاتها وتولد ولادة جديدة. هذا الحنين المبارك - بالمعنى الديني المألوف في لغة «جوته» ولغة عصره - ليس مجرد حنين فطرت عليه نفس الإنسان، وإنما هو في الحقيقة واجب يطالب به إذا شاء أن يكون إنسانا بحق. وإذا أهمل تحقيق هذا الواجب أو تقاعس عن الوفاء بهذا المطلب، فلن يعدو أن يكون ضيفا نكدا يحيا حياة الأطياف العابرة على الأرض الملتفة في الظلام. وإذا لم يشعر بهذا الحنين المبارك إلى «الموت في اللهب»، فلن يستطيع الارتفاع فوق الأرض وأحزانها العكرة إلى دائرة الأبدية. ولهذا يدعوه الشاعر في المقطع الأخير هذه الدعوة القديمة المخيفة في آن واحد: «مت وكن»، فهل يريد منه أن يميت جسده بالزهد والتقشف، كما أراد له سقراط وكل المتصوفة في الشرق والغرب؟ هل يكون الموت الجسدي هو الشرط الذي لا غنى عنه؛ لكي تتحرر فراشة الروح، وتنطلق للاحتراق في لهب الحب الحقيقي، لهب الحب الإلهي؟ إن القصيدة لا تصرح بهذا، بل تتركه للقارئ أو السامع ليستوحي ما يشاء من سحر معانيه وأسراره:

وإذا لم تصغ للصوت القديم

داعيا إياك: مت كيما تكون،

فستبقى دائما ضيفا يهيم

في ظلام الأرض كالطيف الحزين.

ومن الصعب أن نفهم معنى واحدا من هذا الأمر الرهيب : مت وكن. فالموت هنا لا يمكن أن يكون هو موت الجسد أو إماتته بالزهد والتقشف والحرمان؛ لأن شاعرنا ليس واعظا ولا ناسكا متصوفا، مهما كان من تغلغل الروح الصوفية أو الدينية في شعره المتأخر. لقد ظل حتى النهاية عاشق الحياة الذي يؤكدها ويحترمها، حتى وهو يأمر الإنسان بأن يموت ليحياها. إنه يبارك الحياة التي تقوى على السمو فوق حدودها الأرضية، وتملك شجاعة الموت المتجدد والتحول المستمر في كل لحظة من لحظاتها؛ لكي ترتفع إلى حياة أبدية أعلى. والدعوة إلى الموت هي نفسها الدعوة إلى «الموت في اللهيب»، أي إلى الاحتراق بنار الحب الأبدي والتطهر بنوره. ولهذا فإن «مت وكن» تعني من ناحية: تحول أيها الإنسان، وجدد حياتك وشبابك في أشكال لا تنتهي - وقد فعل جوته ذلك بنفسه عندما جدد شيخوخته بالحب، وانتقل إلى عالم الشرق والإسلام، وتقمص روحه وتنسم عبيره - كما تعني من ناحية أخرى أهم منها أن يجدد الإنسان حياته الأرضية والجسدية المحدودة بالإيمان بحياة إلهية يسمو إليها، ويحن حنين الفراشة إلى الفناء في نورها. وعلى الإنسان أن يحاول هذه المحاولة الدائبة في حياته الأرضية، وأن يحقق الأبدية في كل لحظة يعيشها على الأرض الحزينة المظلمة.

عندئذ يتحقق ما تقوله الأبيات الأخيرة من قصيدة «العالي والأعلى» من كتاب الخلد أو كتاب الفردوس، وهو آخر كتب الديوان الشرقي:

অজানা পৃষ্ঠা