120

শায়ের ও ভাবনা

شعر وفكر: دراسات في الأدب والفلسفة

জনগুলি

ونأتي إلى البيت الحادي والعشرين (دائما أكثر انتهاء، دائما أكثر صفاء)، فنعجز عن العثور على الفاعل الذي يحدث هذا كله أو يحدث له. ولا شك أن هذا الاختزال في بناء العبارة، والإيجاز الشديد فيها، وافتقاد الصلة المباشرة بين الكلمات المختلفة تزيد من حيرتنا في تفسير القصيدة تفسيرا محددا، ولكن هل نخرج منها مع ذلك صفر اليدين؟

لا يمكننا أن ننتهي إلى هذه النتيجة. فلا شك أن قراءة القصيدة، حتى في هذه الترجمة القاصرة، تبعث في نفوسنا الإحساس العميق بالألم والمرارة. والعنوان وحده - وهو مأخوذ من البيت قبل الأخير - يثير فينا هذا الإحساس. وتكرار كلمة الأخيرة في البيتين الأولين، والنهاية التي تغلق الباب أمام كل أمل، ونغمة الحزن والفقد الشائعة في القصيدة كلها تؤكده وتزيده عمقا ونفاذا. ومع ذلك فإن سبب هذا الحزن وهذه المرارة غير معروف. إن الشاعر لا يحدده ولا يسميه، بل يضفيه على الأحداث والأفكار. وهذه الأحداث والأفكار تزيد فيها قيمة النغم والإيحاء على قيمة المعنى والمضمون. أي إنها تنغم وتوحي أكثر مما تفهم أو تفيد. ثم إن هذه الأفكار والأحداث المتفرقة معزولة عن بعضها البعض، ولو حاولنا أن ننظر إليها كأحداث موضوعية لما وجدنا هناك صلة تجمع بينها. ولا يقتصر الأمر على غموض العلاقات التي تربط بينها، بل إن هناك إمكانات متعددة في بناء الجمل والعبارات. ولا يملك القارئ إلا أن يسأل نفسه: لماذا يتحدث الشاعر في بداية القصيدة عن الإله الذي يخلص من كل عذاب، ثم يتحدث في نهايتها عن الوحدة الصامتة أو الصمت الوحيد؟ ألم يكن العكس هو الأولى؟

ليس لهذا من تفسير إلا القول بأنه يتخلى عن المسار الطبيعي والنظام المنطقي المألوف، وإن هذا هو الأسلوب المتبع عند معظم الشعراء المحدثين منذ أيام بودلير ورامبو ومالارميه، وعند هذا الشاعر الذي نتناوله بوجه خاص.

ويسأل القارئ نفسه: من أين يأتي الزمن الذي يحطم؟ ولماذا يحطم الزمن بالذات؟ (البيت العاشر). هل تفهم الأبعاد (في البيت الثاني والعشرين) بمعناها الاستعاري أم بمعناها اللفظي؟ وأخيرا من هي (أو من هو) التي تخاطبها القصيدة بأنت؟ أهي أنا تخاطب نفسها أم هي أنت أخرى يخاطبها الشاعر؟ هل القصيدة مونولوج أم ديالوج؟ ومن الذي تبدد بفكره في التيه؟ (البيت العشرون) أهي الأحلام والأحزان أم هي الأنا أم الأنت؟

على أن غموض القصيدة وعدم تحددها لا يمكن مع ذلك أن يؤدي إلى القول بأنها خالية من المعنى أو الإحساس. فنحن لا نخطئ فيها الشعور بالألم والوحدة والفراق، وهو شعور كامن في نغمتها العامة وبحرها القصير وقوافيها المتكررة. أما أسلوبها الموجز الذي يلجأ للحذف والاختزال في بناء العبارة، فهو لا يبعدها فحسب عن أسلوب الكلام والإحساس العادي، بل ينقلها إلى بيئة لغوية ونفسية خاصة بها، تنفرد فيها بنفسها وترفض الخروج منها. ولعل هذه البيئة هي مملكة المنفى التي يلجأ إليها الشاعر وحيدا مع لغته وعذابه وصمته وعزلته المخيفة في الكون. والشاعر الحديث دائما وحيد مع لغته، فهي ملاذه وملجؤه وموطن ألعابه ومغامراته وتجاربه التي لا تهدأ ولا تنتهي.

تلك خواطر عن تفسير عدد من قصائد الشعر الحديث، اهتديت فيها بالكتاب القيم «بناء الشعر الحديث»، الذي وضعه عالم كبير في اللغات الرومانية هو الأستاذ «هوجو فريدريش»، وصدرت طبعته الثانية في العام الماضي. ومن أسف أن هذه السطور تنقل إليك رسم الكلمات المطبوعة، ولا تستطيع أن تنقل أصواتها وأنغامها، ومن أسف أيضا أنني لا أملك أن أقدم لك النصوص في لغتها الأصلية؛ لأن العرف لم يجر بهذا في مجلاتنا أو في كتبنا، ولأنني لا أحب كذلك أن أثقل عليك، ولا أرى من الخير أن يملأ الكتاب مقالاتهم بالكلمات الأجنبية. لقد حاولت أن أقدم لك زادا متواضعا أرجو أن يعينك على تذوق الشعر الحديث كلما واجهك بغموضه وتعقيده وألغازه. ولقد أشرت إلى الطريق وحسب. أما الطريق نفسه، فعليك أن تسير فيه وحدك، وتكتشف مسالكه ودروبه بنفسك. (1970م)

ذات ليلة ... في الزمان

قصائد للشاعرة جيزيلا كرافت

عرفت هذه الشاعرة قبل ثلاث سنوات. كنا - أخي الأديب القاص يوسف الشاروني وأنا - قد دعينا إلى مدينة برلين في إطار برنامج يدعى إليه أدباء من أنحاء العالم، ويسمونه برنامج الفنانين (نوع من أنواع السياحة والدعاية الراقية، ليتنا ننتبه إليه ونأخذ به!) كان هذا تشريفا وتكريما للأدباء العرب في أشخاصنا؛ إذ كانت تلك هي المرة الأولى التي يستضيف فيها البرنامج أحدا من أبناء البلاد العربية. وحاولنا جهد طاقتنا أن نترك وراءنا انطباعا يشجع الهيئة المضيفة على دعوة غيرنا من الإخوة والزملاء. وكان كل المطلوب منا أن نقرأ بعض قصصنا على الجمهور المثقف في إحدى قاعات الأكاديمية، وقد تم هذا قبل مغادرتنا للمدينة بأيام قليلة. أما فيما عدا ذلك، فقد تركت لنا حرية الحركة في مؤسسات المدينة ومسارحها ومتاحفها وندوات الأدب والفن فيها. وكان من الطبيعي أن يعاودني الحنين للجامعة التي درست بها قبل ذلك بحوالي خمسة عشر عاما، وأن أسقي شجرة الحب التي غرسها في قلبي أحد أساتذتها الذي أصبح يتولى رئاسة المعهد الإسلامي بها. وشاء الأستاذ الكريم،

1

অজানা পৃষ্ঠা