مقدمة:
اهتم المستشرقون بتاريخ خراسان من الفتح إلى نهاية العصر الأموي اهتماما كبيرا، فقد درس المستشرق الهولندي فان فلوتن في كتابه: "السيادة العربية" بيئة خراسان دراسة سياسية واجتماعية واقتصادية. وتحدث المستشرق الألماني يوليوس فلهاوزن في كتابه: "تاريخ الدولة العربية" عن القبائل العربية بخراسان حديثا مفصلا. وكتب الدكتور صالح العلي مقالة طويلة عن "استيطان العرب في خراسان".
وليس يعنيني أن أحصر الدراسات والمقالات التي أفردها المستشرقون أو العرب المحدثون لدراسة تاريخ العرب بخراسان، أو للبحث عن تاريخ الدعوة العباسية في هذه الحقبة، فإنها أكثر من أن تحصى، وإنما الذي يعنيني هو أن دراساتهم ومقالاتهم لم يكن لها أثر قوي عند دارسي الأدب العربي.
ولعل الدكتور شوقي ضيف هو أول من لفت الأنظار إلى بيئة خراسان وقيمتها في تاريخ الشعر العربي، فقد خصص لها فصلا في كتابه: "العصر الإسلامي": ولكن تنبيهه لم يدفع المشتغلين بالأدب إلى دراسة الشعر العربي بخراسان في هذا العصر دراسة علمية مستفيضة.
وفي أثناء مراجعتي لكتاب: "معجم الشعراء" عثرت على طائفة من الشعراء وصفهم المرزباني بأنهم من شعراء خراسان. فأخذت أبحث عن أخبارهم وأشعارهم فيما تيسر لي من المصادر، فلما قرأت "تاريخ الرسل والملوك" للطبري وجدت فيه مادة
1 / 5
غزيرة من تاريخ العرب، ومن شعر شعرائهم بخراسان من الفتح إلى نهاية العصر الأموي. ولكنني ظللت مترددا في تتبع الموضوع تتبعا وافيا، حتى عرضته على أخي الكبير الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري، فشجعني على المضي فيه، وزودني بكثير من الملاحظات المهمة، فمضيت أجمع كل ما أقع عليه من أخبار العرب وأشعارهم بخراسان في هذه الحقبة، حتى إذا أحسست أنني ظفرت بأكثر المواد من المصادر والمظان المتاحة، عكفت على النظر فيما جمعته منها، وعلى تبويبه ودراسته، وانتهيت إلى توزيعه بين ثلاثة فصول، جعلت أولها للجغرافية التاريخية، وثانيها لموضوعات الشعر وخصائصه، وثالثها لشعراء القبائل بخراسان.
أما مصادر البحث ومراجعه فكثيرة متنوعة، فمنها الكتب الجغرافية، وأنفعها كتاب: "المسالك والممالك" للإصطخري، فإن فيه أدق المعلومات وأوفاها عن خراسان، وكتاب: "بلدان الخلافة الشرقية" للمستشرق الإنجليزي لي سترانج، فقد أفدت منه فوائد كثيرة في تحديد مواقع المدن والقرى.
ومنها الكتب التاريخية: وأهمها كتاب: "الرسل والملوك" للطبري، فإنه أشمل مصدر لتاريخ العرب وشعرهم بخراسان.
ومنها الكتب الأدبية، وأشهرها كتاب: "الأغاني" لأبي الفرج الأصفهاني، فإن فيه تراجم وافية لأكثر الشعراء الذين ترجمت لهم، وكتاب: "نقائض جرير والفرزدق" لأبي عبيدة ومعمر بن المثنى، وكتاب: "معجم الشعراء" للمرزباني، فإنهما يحتويان على أشعار لم تذكر في المصادر الأخرى، وهي أشعار لها قيمة كبيرة، لأنها تكشف عن بعض مواقف القبائل من الأحداث الداخلية.
وأما الأستاذ الدكتور عبد العزيز الدوري فهو صاحب الفضل الأول في ظهور هذا البحث، فهو الذي حثني على التوفر عليه، والعمل فيه، وهو الذي أمدني بفيض من ملاحظاته، وهو الذي تكرم بقراءة كل فصل كنت أكتبه قراءة متأنية متعمقة، وهو الذي جنبني بعض الهفوات والأوهام، وصحح بعض الآراء والأحكام، حتى خرج البحث على هذه الصورة. ومهما أعترف بفضله، وأقدر جميله، فأنا عاجز عن أن أوفيه حقه من الشكر والتقدير.
1 / 6
وأرجو أن أكون وضحت في هذا الكتاب شخصية خراسان الأدبية من الفتح إلى نهاية العصر الأموي، كما أرجو أن يكون فيه ما ينفع الباحثين المهتمين بالتاريخ والأدب. فإن قصرت أو أخطأت فعذري أنني اجتهدت، وأنني بذلت ما استطعت، فقد نحوت في دراسة الشعر والتاريخ نحوا يقوم على المزاوجة بينهما، بل على دراسة الشعر من خلال التاريخ، ودراسة التاريخ من خلال الشعر، دون تمحل أو تأول للتوفيق بينهما فهما يتواصلان في هذا الكتاب تواصلا دقيقا، ويتكاملان فيه تكاملا وثيقا.
عمان في ١٥/ ١/ ١٩٨٩
حسين عطوان
1 / 7
الفصل الأول: الجغرافية التاريخية
"وصف خراسان":
تتألف خراسان في اللغة الفارسية من كلمتين: "خر" ومعناها الشمس، و"آسان" ومعناها المشرقة، فهي بلاد الشمس المشرقة التي تشمل مساحة واسعة تقع إلى الشرق من بلاد فارس وتترامى إلى نهرجيحون، وهي مقسومة في الوقت الحاضر بين ثلاث دول هي الاتحاد السوفييتي، وأفغانستان، وإيران. أما ما أضيف منها إلى الاتحاد السوفييتي فيشمل المنطقة الممتدة من مرو الشاهجان إلى نهرج جيحون. وأما ما ضم منها إلى أفغانستان فهو الرقعة الواقعة إلى الشرق من خط يبدأ من سرخس في الشمال. ويمتد إلى الجنوب مارا بمنتصف المسافة بين طوس وهراة. وأما سائرها فتابع لإيران١.
والقدماء مختلفون في حدودها بعض الاختلاف، إذ منهم من يدخل فيها قومس وقوهستان من جهة الجنوب الغربي، وخوارزم وما وراء النهر وطخارستان من جهة الشمال والشرق٢، غير أن منهم من يفصل كل تلك المناطق عنها٣. ولا سبيل إلى تعيين حدودها تعيينا دقيقا، وإن كان القدماء قد عينوها حسب مقاييسهم الجغرافية، وتحديدهم للجهات الأربع٤.
_________
١ دائرة المعارف الإسلامية ٨: ٢٨٢، وبلدان الخلافة الشرقية للي سترنج ص: ٤٢٣.
٢ كتاب البلدان لابن الفقيه ص: ٣٢١، وسنشير إليه بابن الفقيه.
٣ معجم البلدان لياقوت ٢: ٤٠٩، وسنشير إليه بياقوت.
٤ المسالك والممالك للإصطخري ص: ١٤٥، وسنشير إليه بالإصطخري، وصورة الأرض، لابن حوقل ص: ٣٥٨، وسنشير إليه بابن حوقل.
1 / 11
ولا تعني مسئولية عمال خراسان عن إدارة بعض المناطق التي أضافها القدماء إليها أنها كانت جزءا منها بالضرورة، كما أن بلاد ما وراء النهر لم تخضع للعرب خضوعا تاما في العصر الأموي، وإنما كانت موطن شغب دائم عليهم، على كثرة ما غزوها وفتحوها وعقدوا المعاهدات مع أهلها. بل إن الأتراك كانوا يجتاحون نهر جيحون ويهاجمون العرب بخراسان مرارا.
وتقسم خراسان عند الجغرافيين العرب إلى أربعة أرباع، كان عمال خراسان يشرفون عليها، وهي نيسابور، ومرو الشاهجان، وهراة، وبلخ. أما الربع الأول منها فيشمل قسمها الغربي، وأكبر مدينة فيه نيسابور، التي تعرف حينا بأبرشهر، وحينا آخر بإيرانشهر. وهي بأرض سهلية، وأبنيتها من طين تنبسط في مساحة مقدارها فرسخ في فرسخ١. ولها قهندز وربض، أي قلعة وضاحية. أما القلعة فخارج المدنية، وأما الضاحية فتحف بالمدينة والقعلة. وكان للمدينة أربعة أبواب، وللقلعة بابان، وللضاحية أربعة أبواب، باب منها يؤدي إلى العراق وجرجان، وباب يؤدي إلى بلخ وما وراء النهر، وباب يؤدي إلى فارس وقوهستان، وباب يؤدي إلى طوس ونسا٢.
وكان أكثر أهل نيسابور يعملون في الزراعة، ويسقون مزارعهم من نهر سغاور. وقد شقوا له القنوات التي كانت تتخلل بلدهم ودورهم، وتمتد إلى ضياعهم. وكان له قوامون، وعليه حفظة. فانتعشت الزراعة لذلك انتعاشا كبيرا، وغلت لهم أراضيهم غلات وفيرة، وخيرات كثيرة من الحبوب والأقطان والفواكه. وكان بعضهم يشتغل بالصناعة، وخاصة بالمنسوجات القطنية والحريرية، وكان يرتفع من بلدهم من أصناف البز وفاخر ثياب القطن والقز إلى سائر بلدان الإسلام وغيرها لكثرته وجودته. وكان بعضهم يتعاطى التجار في أسواق المدينة المنظمة المقسمة، وكان كل تاجر ينزل بناحية معينة من السوق حسب تجارته وبضاعته وكانت التجارة في بلدهم رائجة، حتى ليقول ابن حوقل: "إنه بخراسان مدينة أدوم تجارة، وأكثر سابلة، وأعظم قافلة من
_________
١ الفرسخ: ثلاثة أميال أو ستة، فارسي معرب "انظر لسان العرب ٤: ١٣".
٢ ابن حوقل ص: ٣٦٣.
1 / 12
نيسابور"١. وكان بالمدينة كثير من الحرفيين كالقلانسيين والأساكفة والخرازين والحبالين٢:
ولنيسابور حدود واسعة ورساتيق عامرة، والرستاق هو الأرض الزراعية. ويقال: إنه كان لها اثنا عشر رستاقا، ويقال بل ثلاثة عشر رستاقا٣، كان ينتشر في كل منها قرى كثيرة قدرها ابن الفقيه بمائة وستين قرية في كل رستاق٤.
وإلى الغرب من نيسابور كانت ناحية بيهق، وهي كورة واسعة كثيرة البلدن والعمارة، تشتمل على ثلاثمائة وإحدى وعشرين قرية٥ وإلى الشمال من نيسابور تقوم نسا بين الجبال. وهي خصبة كثيرة المياه والبساتين، ولأهلها مياه جارية في دورهم وسككهم، كما لها رساتيق شاسعة٦. وإلى الشرق من نسا، وبينها وبين سرخس مدينة أبيورد، وهي تشتهر بخصبها ورخائها٧. وفي الطريق بين نيسابور ومرو الشاهجان مدينة سرخس التي تقع بأرض سهلية ليس بها ماء جار إلا نهر يجري بعض السنة لا يدوم ماؤه. وهو فضل نهر هراة. ولذلك فإن أهلها يعتمدون على الآبار ويشتغلون بالرعي، إذ معظم أملاكهم الجمال والأغنام، وتقل الزروع عندهم إلا بعض الحبوب، ولا تكثر القرى حولهم، كما تنعدم الزراعة فيما تناثر من القرى، ويغلب عليها الرعي٨. وعلى بعد عشرة فراسخ إلى الشمال الشرقي من نيسابور طوس. وهى تتألف من مدينتين مشهورتين هما الطابران ونوقان اللتان ينتشر حولهما أكثر من ألف قرية ٩.
والربع الثانى من خراسان هو القسم الشمالى منها، وحاضرته مرو الشاهجان وهي على نهر المرغاب الذي ينحدر من جبال الغور في شمال شرقى هراة، ثم بمرو الروذ
1 / 13
ويدور منها شمالا إلى مرو الشاهجان حيث تتفرع منه جملة أنهار، ثم يفنى ماؤه في رمال مفازة الغز ١.
والمدينة بأرض مستوية بعيدة عن الجبال، لا يرى منها على مدى البصر جبل، وأرضها سبخة كثيرة الرمال، وأبنيتها من طين، وهي موزعة بين أربعة أقسام يسقي كل قسم منها نهر يأخذ من نهر المرغاب عند قرية الرزق أو الرزيق، حيث أقيم مقسم الماء. وتنهض عليها جميعا مباني المدينة وأرباضها. وهذه الأنهار هي نهر هرمز فره الذي يجري غربا، وفي شرقيه نهر الماجان، ثم نهر الرزق، وآخرها نهر أسعدي.
وللمدينة حصن، وعلي أنهارها سور يحيط بها كلها، وعلى رساتيقها جميعها سور آخر يلتف حولها. ولها أيضا أربعة أبواب تفضي إلى جهات مختلفة. وهي من النظافة، وحسن الترصيف، وتقسيم الأبنية والمحال في خلال الأنهار والغروس، وتميز كل سوق من غيره، بحيث تفضل سائر مدن خراسان٢.
والزراعة قوام حياة أهل مرو الشاهجان، فهم يزرعون الحبوب والفواكه والكروم، كما تشتهر المدينة بعنبها وزبيبها وبطيخها، ويشتغل بعضهم بصناعة الحرير والقطن والثياب. ويقال إنه كان يصدر منها الإبريسم والقز الكثير والقطن اللين، والثياب الفاخرة التي كانت تجهز إلى الآفاق٣.
ولمرو الشاهجان قرى ومدن كثيرة، منها سنج، وهي تبعد عنها من جهة الغرب أربعة فراسخ، ودورها مبنية على النهر، وبها بساتين كثيرة٤. وإلى الجنوب الغربي من مرو الشاهجان، وبينها وبين سرخس مدينة الدندانقان، وهي بمنطقة رملية تنتهي عندها مزارع مرو الشاهجان٥. وفي الشمال الشرقي من مرو الشاهجان على الطريق إلى
_________
١ بلدان الخلافة الشرقية ص: ٤٣٩.
٢ اليعقوبي ص: ٢٧٩، والإصطخري ص: ١٤٧، وابن حوقل ص: ٣٦٤، والمقدسي ص: ٣١٠، وابن الفقيه ص: ٣٢٠.
٣ الإصطخري ص: ١٤٩، وابن حوقل ص: ٣٦٥.
٤ المقدسي ص: ٣١٢، وياقوت ٣: ١٦١.
٥ المقدسي ص: ٣١٢، وياقوت ٢: ٦١٠.
1 / 14
آمل مدينة كشمهين، وهي مشهورة ببساتينها وأعنابها وزبيبها١. وبعدها مدينة آمل على شط نهر جيحون، وهي مجمع طرق خراسان إلى ما وراء النهر، ولها ماء جار، وبساتين وزرع٢. وبينها وبين مرو الشاهجان رمال صعبة المسلك، ومفازة أشبه بالمهلك٣. وشرقي آمل بنحو مائة ميل بلدة زم، وهي أصغر من آمل في العمارة، وفيها المياه الجارية، والبساتين والزروع، وبها معبر ما وراء النهر٤ وفي الجنوب الشرقي لمرو الشاهجان مدن القرينين، وجيزنج، ورزق٥. وفي تلك الجهة، وعلى بعد مائة وستين ميلا من مرو الشاهجان مدينة مرو الروذ، وهي على نهر المرغاب، طيبة التربة والهواء، ولها بساتين وكروم كثيرة، تحيط بها الجبال من الغرب والشرق٦. وعلى مجرى نهر المرغاب إلى مرو الشاهجان بما يبعد مسيرة يوم عن مرو الروذ بلدة قصر أحنف، فيها الماء الجاري، والبساتين والكروم والفواكة٧.
وثالث أرباع خراسان هو القسم الجنوبي منها، وعاصمته مدينة هراة، وهي على النهر المسمى باسمها، وهو ينبع من جبال الغور، ويجري من الشرق إلى الغرب، مارا بمدينة هراة فمدينة بوشنح، ثم ينعطف نحو الشمال منسابا إلى سرخس، ثم يغيض ماؤه بمفازة إلى الشمال منها. وبناء هراة من طين، وبها حصن وثيق به، به أربعة أبواب، ولها ربض، وعليها سور له أربعة أبواب بإزاء أبواب الحصن، باب في الشمال يخرج منه إلى بلخ، وباب في الغرب يخرج منه إلى نيسابور، وباب في الجنوب يخرج منه إلى سجستان، وباب في الشرق يخرج منه إلى الغوز. وعلى كل باب سوق، وفي داخل المدينة والربض مياه جارية. والجبل على طريق بلخ إلى الشمال من هراة، ليس به محتطب ولا مرعى، وإنما يرتفقون منه بالحجارة للأرحبة والفرش وغير ذلك. ويتشعب
_________
١ اليعقوبي ص: ٢٨٠، وياقوت ٤: ٢٧٨.
٢ الإصطخري ص: ١٥٧، وابن حوقل ص: ٣٧٦.
٣ ياقوت ١: ٦٩.
٤ الإصطخري ص: ١٥٧، وابن حوقل ص: ٣٧٦، وياقوت ٢: ٩٤٦.
٥ الإصطخري ص: ١٤٩، وابن حوقل ص: ٣٦٥.
٦ الإصطخري ص: ١٥٢، وابن حوقل ص: ٣٦٩، وياقوت ٤: ٥٠٦.
٧ الإصطخري ص: ١٥٢، وابن حوقل ص: ٣٦٩.
1 / 15
من نهر هراة بالقرب من المدينة تسعة أنهر تروي رساتيقها ومزارعها١. ويقول اليعقوبي: إن هراة من أكثر بلاد خراسان عمارة٢. ويقول ابن رسته: إنها مدينة عظيمة، وحواليها دور، وفي رساتيقها أربعمائة قرية كبار وصغار، وفيما بين هذه القرى سبع وأربعون دسكرة، تشتمل كل منها على عشرة أنفس إلى عشرين نفسا٣. أما ياقوت فيقول: "إنها مدينة عظيمة مشهورة من أمهات مدن خراسان، لم ير بخراسان مدينة أجل، ولا أعظم، ولا أفخم، ولا أكثر أهلا منها، فيها بساتين كثيرة، ومياه غزيرة، وخيرات وفيرة"٤.
وإلى الجنوب من هراة مدينة مالن، وهي صغيرة مشتبكة المياه والبساتين والكروم، عامرة مشهورة بزبيبها الذي يحمل إلى الآفاق٥. وفي رساتيقها خمس وعشرون قرية٦. وتليها كورة أسفزار، ولها أربع مدن، فيها الأراضي الخصبة، والبساتين والأعناب٧.
وفي شمالي هراة كروخ، وهي أكبر مدينة بعد هراة، تقوم في شعب بين الجبال، وتكثر حولها المياه والبساتين والأشجار، والقرى العامرة، ويرتفع منها المشمش٨. وتليها كورة باذغيس، وبها مدن كثيرة، بعضها تجري فيها المياه، وتنتشر بها البساتين، وبعضها قليلة المياه. وأهلها أصحاب زروع وأغنام٩. وهي ذات خير ورخص، ويكثر فيها شجر الفستق١٠. وبعدها رستاق كنج، ومدنه ببن، وكيف، وبغشور.
_________
١ الإصطخري ص١٤٩، وابن حوقل ص٣٦٦.
٢ اليعقوبي ص: ٢٨٠.
٣ ابن رسته ص: ١٧٣.
٤ ياقوت ٤: ٩٥٨.
٥ الإصخري ص: ١٥١، وابن حوقل ص: ٣٦٧.
٦ ياقوت ٤: ٣٩٨.
٧ الإصطخري ص١٤٩، وابن حوقل ص: ٣٦٨.
٨ الإصطخري ص١٥١، وابن حوقل ص٣٦٧.
٩ الإصطخري ص: ١٥٢، وابن حوقل ص: ٣٦٧.
١٠ ياقوت ١: ٤٦١.
1 / 16
والمدينتان الأوليان لهما مياه كثيرة جارية وبساتين وكروم، والمدينة الثالثة بمفازة، وماؤها من الآبار، وأهلها أصحاب زروع١.
وبشرقي باذغيس عند منابع نهر المرغاب بلاد غرح الشار أو غرجستان. وهي بلاد جبلية، ولها مدينتان هما: نشين وشورمين، فيهما المياه والبساتين، ومن الأول يرتفع أرز كثير يحمل إلى البلدان، ومن الثانية يرتفع زبيب يصدر إلى كثير من النواحي٢. وتليها بلاد الغور بجنوب نهر هراة وهي جبال حصينة منيعة، عامرة ذات عيون وأنهار وبساتين٣.
وتقع بعدها كورة الباميان التي يجري بين مدنها نهر كبير يسير نحو غرجستان. وأكبر مدينة بها الباميان، وهي على جبل، وليس لها سور، وليس بها بساتين. أما بقية مدنها ففي السهل، وكلها ذوات أنهار وأشجار وثمار٤.
وإلى الشرق من هراة مدن كثيرة منها باشان، وخيسار، وأستربيان، وماراباذ، وأوفه، وخشت. أما باشان فكثيرة المياه، قليلة البساتين. وفيها زروع. وأما خيسار فنادرة المياه والأشجار، وأما أستربيان فلها مياه، وبساتينها قليلة، والغالب على أهلها الزروع دون الكروم، وهي في الجبال، وأما ماراباذ فكثيرة المياه والبساتين، وترتفع منها كميات كبيرة من الأرز، وأما أوفه فلها مياه وبساتين٥.
وفي غربي هراة كورة بوشنج، وبها خمس مدن، أهمها وأكبرها بوشنج، وهي نحو النصف من هراة، وبناؤها من طين، ولها سور، وخندق، وثلاثة أبواب، باب يذهب منه إلى نيسابور، وباب يذهب منه إلى هراة، وباب يذهب منه إلى قوهستان. ومياها من نهر هراة، وبها من أشجار العرعر ما ليس بجميع خراسان، وخشبه يحمل إلى سائر البلاد. وأما المدن الأربع الأخرى فهي كوسوى، وخركرد وفركرد، وكره،
_________
١ الإصخطري ص: ١٥٢، وابن حوقل ص: ٣٦٩.
٢ الإصطخري ص: ١٥٣، وابن حوقل ص٣٧١.
٣ الإصطخري ص: ١٥٣، وابن حوقل ص ٣٧١.
٤ الإصطخري ص: ١٥٦، وابن حوقل ص: ٣٧٥.
٥ الإصطخري ص: ١٥١، وابن حوقل ص: ٣٦٧.
1 / 17
وأكبرها كوسوي وهي مدينة نحو الثلث من بوشنج، ولها ماء وبساتين قليلة. وأصغر منها خركرد. غير أن مياهها وبساتينها أكثر وأوسع. أما فركرد، وكره فهما دون خركرد في الكبر، كما أنهما متقاربتان في المساحة والعمران. وأولاهما قليلة الماء والبساتين، وأهلها أصحاب سوائم، وأخراهما كثيرة الماء والبساتين١.
ورابع أرباع خراسان هو القسم الشرقي منها، وأعظم مدينة فيه بلخ، ومساحتها مع ربضها ثلاثة أميال في مثلها. وهي بأرض مستوية، وبناؤها من طين، وبينها وبين أقرب الجبال إليها نحو من أربعة فراسخ، وعليها سور له سبعة أبواب، وبها نهر دهاس، وهو يجري في ربضها، ويسقي رساتيقها، ويدير عشر أرحية، وتحف بأبوابها البساتين والكروم. وبعد السور الأول سور ثان يبعد عنه اثني عشر فرسخا، ويحيط بقراها وضياعها ومزارعها، وليس خارجه عمارة ولا ضيعة ولا قرية، وإنما وراءه الرمال٢ وقد وصف المقدسي بهاء بلخ، وحسن موقعها، وسعة طرقها، وبهجة شوارعها، وكثرة أنهارها، والتفاف أشجارها، كما نوه بأعنابها وحبوبها٣، ووصفها ياقوت بقوله: "إنها من أجل مدن خراسان وأذكرها وأكثرها خيرا، وأوسعها غلة، تحمل غلتها إلى جميع خراسان، وإلى خوارزم"٤.
وتقع إلى الغرب من بلخ ناحية الجوزجان، وهي عامة الخصب، كثيرة التجارة، وبها مدن كثيرة منها: الطالقان، وهي بمنطقة سهلية، تبعد عن مرو الروذ ثلاث مراحل، وبها مياه جارية، وبساتين قليلة، كما أنها صحيحة الهواء، ورساتيقها بالجبل كثيرة عامرة٥. ومنها الجرزوان. وهي بين جبلين، بين مرو الروذ والطالقان، معمورة، وأهلها مياسير. وعلى بعد مرحلتين مما يلي الطالقان على طريق بلخ مدينة اليهودية، التي تعرف أيضا بميمنة. وهي في الجبل، ولها مياه وبساتين. وفيها صناعات
_________
١ الإصطخري ص: ١٥١، وابن حوقل ص: ٣٦٨، وياقوت ١: ٧٥٨.
٢ اليعقوبي ص: ٢٨٨، والإصطخري ص: ١٥٥، وابن حوقل ص: ٣٧٣.
٣ المقدسي ص: ٢٩٩/ ٣٠٢.
٤ ياقوت ١/ ٧١٣.
٥ المقدسي ص: ٣٠٣.
1 / 18
وتجارات. وإلى جنوابها مدينة كنددرم، وهي في الجبل وافرة المياه والكروم والجوز، ثم بلدة سان، وهي صغيرة، ولها مياه وبساتين، والغالب على ثمارها الأعناب والجوز. أما الفارياب فهي بين الطالقان وشبورقان، وهي صغيرة إلا أنها كثيرة المياه والبساتين، ومياها من الطالقان، وهي تجمع سائر ما يكون من الصناعات في المدن. وبعدها مدينة شبورقان، لها ماء جار، والغالب على أهلها الزروع، وبساتينهم قليلة، وإلى الشمال الغربي من شبورقان انخذرستاق، ومدينته أشترج، وهي صغيرة في مفازة. ولها سبع قرى، وبها بيوت للأكراد من شعر ومدر، وأهلها أصحاب أغنام وإبل. وجنوبي شبورقان، وشرقي اليهودية مدينة أنبار، وهي بالجبل، ولها مياه وكروم وبساتين١.
ولخراسان طرق ومسالك كثيرة تربط مدنها الكبيرة والصغيرة، وتربط كذلك بينها وبين ما يجاورها من البلدان، عددها الجغرافيون العرب وحددوا المسافات بين كل مدينة وأخرى تحديدا دقيقا٢.
وعلى اتساع خراسان، وتباين طبيعتها بين سهول ورمال وجبال، فإنها في جملتها معتدلة المناخ، لطيفة الهواء، ليس فيها مناطق حارة متقدة الحرارة، ولا مناطق باردة شديدة البرودة إلا الباميان، فإنها أكثر خراسان بردا وثلجا. وتربتها صحيحة، وأزكى أرضها السقي نيسابور، وأحسن أرضها التي تجودها الأمطار وترويها ما بين هراة ومرو الروذ، وهي ما يعرف بالأعذاء، أي الأرض الطيبة التربة، الكريمة المنبت، البعيدة من المياه والسباخ٣. ولذلك كانت خراسان غنية بخيرات الأرض، وأرزاق الدنيا، التي لم تكن تسد حاجات أهلها فحسب، وإنما كانت تفيض عن استهلاكهم فيضا كبيرا من الغلات الزراعية. والمواد الأولية والغذائية والمنتوجات الصناعية. فكانوا يصدرونه إلى كثير من الأقطار. وفي ذلك يقول الإصطخري: "بخراسان من الدواب والرقيق والأطعمة والملبوس وسائر ما يحتاج الناس إليه ما يسعهم فأنفس الدواب ما يرتفع من
_________
١ انظر في هذه المدن الإصطخري ص: ١٥٢، وابن حوقل ص: ٣٦٩، ٣٧٠، وياقوت ٢: ١٤٩.
٢ الإصطخري ص: ١٥٨، وابن حوقل ص:٣٣٧.
٣ الإصطخري ص: ١٥٨ وابن حوقل ص: ٣٧٧، وابن الفقيه ص: ٣١٦، والمقدسي ص: ٢٩٤.
1 / 19
نواحي بلخ، وأنفس ثياب الإبريسم ما يقع من نيسابور، ومرو الشاهجان، وأطيب البز ما يرتفع من مرو الشاهجان"١.
واستقصى المقدسي ما ينتج في بلدان خراسان مادة مادة، فمن نيسابور ترتفع الثياب والعمائم والملاحم والحلل وثياب الشعر والغزل الجيد، ومن نسا الثياب وفرو الثعالب والبزاة، ومن طوس الثياب الملونة والحصر والحبوب، ومن رساتيق نيسابور ثياب كثيرة غليظة، ومن هراة البز الكثير والديباج والزبيب والفتسق، وأكثر حلاوات أهل خراسان. ومن مرو الشاهجان الملاحم ومقانع القز والإبريسم والقطن والبقر والجبن والنحاس، ومن سرخس الحبوب والجمال، ومن بلخ الصابون والسمسم والأرز والجوز واللوز والزبيب والسمن والعسل، والزاج والكبريت والرصاص والأبخرة، ومن غرج الشار الذهب واللبود والبسط الحسان والحقائب والخيل الجيدة والبغال٢.
_________
١ الإصطخري ص: ١٥٧.
٢ المقدسي ص: ٣٢٤.
1 / 20
ولاة خراسان:
حمل القدماء إلينا ثلاث روايات عن فتح العرب لخراسان، أما الرواية الأولى فتفيد أنه كان سنة ثماني عشرة للهجرة١. وهي رواية ضعيفة مرفوضة، لأن العرب لم يقضوا على فلول الفرس، ولم يملكوا بلدهم إلا سنة إحدى وعشرين في موقعة نهاوند٢، التي سموها "فتح الفتوح"، لأنه لم يكن للفرس بعدها اجتماع. وأما الرواية الثانية فتدل أنه حدث سنة اثنتين وعشرين وهي رواية صحيحة مقبولة، لأن العرب انطلقوا من فارس إلى الأقاليم المجاورة لها التي تمهد السبيل لاحتلال خراسان وفتحها، فاجتاحوا الري٤، وقومس٥ وطبرستان٦، وجرجان٧، وهمذان٨، وأصبهان٩، سنة اثنتين وعشرين، ثم اقتحموا خراسان من جهة الطبسين في السنة نفسها، وغلبوا
_________
١ تاريخ الرسل والملوك للطبري ٥: ٢٦٨٠، وسنشير إليه بالطبري، والكامل في التاريخ، لابن الأثير ٣: ٣٣، وسنشير إليه بابن الأثر.
٢ الطبري: ٥: ٢٥٩٦، وابن الأثير ٣: ٥.
٣ الطبري: ٥: ٢٦٨٢، وابن الأثير ٣: ٣٣.
٤ الطبري ٥: ٢٦٥٣، وابن الأثير ٣: ٣٤.
٥ الطبري ٥: ٢٦٥٦، وابن الأثير ٣: ٢٥.
٦ الطبري ٥: ٢٦٥٩، وابن الأثير ٣: ٢٥.
٧ الطبري ٥: ٢٦٥٧، وابن الأثير ٣: ٢٥.
٨ الطبري ٥: ٢٦٣٥، وابن الأثير ٣: ١٧.
٩ الطبري ٥: ٢٦٣٧، وابن الأثير ٣: ١٨.
1 / 21
على أكثر نواحيها. وأما الرواية الثالثة فتنبئ بأنه وقع سنة إحدى وثلاثين١، وهي تكملة للرواية الثانية، لأن أهل خراسان نكثوا بعد وفاة عمر بن الخطاب، وثاروا على عمالهم، شأنهم في ذلك شأن أهل فارس٢، وكرمان٣، وسجستان٤، فندب عثمان بن عفان، عبد الله بن عامر، أمير البصرة لقمع ثورتهم، واسترداد بلادهم، فتوجه إليها واستعادها من أدناها إلى أقصاها في سنتين.
وقد ظلت السيادة العربية بخراسان قلعة مزعزعة منذ أن استكمل ابن عامر استرجاعها حتى انتهى الصراع بين علي ومعاوية على الحكم، وتولى معاوية الخلافة٥، فأسند لابن عامر ولاية البصرة، وجعله مسئولا عن إدارة خراسان، فاستعمل عليها قيس بن الهيثم السلمي٦، فكان بها حتى سنة ثلاث وأربعين، ثم عزله ابن عامر عنها، لتأخره في إرسال خراجها، وولاها عبد الله بن خازم السلمي، فوليها سنة٧. ثم اعفى ماوية ابن عامر من إمارة البصرة، لعجزه عن ضبطها، ووكل شئون خراسان إلى عبد الله بن أبي شيخ، أو إلى طفيل بن عوف اليشكريين٨، وفي سنة خمس وأربعين عين معاوية على البصرة زياد بن أبي سفيان، فجعل خراسان أرباعا، واستعمل على مرو الشاهجان أمير بن أحمر اليشكري، وعلى نيسابور خليد بن عبد الله الحنفي، وعلى مرو الروذ، والفارياب، والطالقان قيس بن الهيثم السلمي، وعلى هراة. وباغيس، وبوشنج نافع بن خالد الطاحي الأزدي٩.
_________
١ الأخبار الطوال لأبي حنيفة الدينوري ص: ١٣٩، وسنشير إليه بالدينوري، وتاريخ اليعقوبي ٢: ١٥٧.
وفتوح البلدان للبلاذري ص: ٣٩٤، والطبري ٥: ٢٨٨٤، وابن الأثير ٣: ١٢٣.
٢ ابن الأثير ٣: ١٢١.
٣ ابن الأثير ٣: ١٢٧.
٤ ابن الأثير ٣: ١٢٨.
٥ الطبري ٥: ٢٩٠٦، وابن الأثير ٣: ١١٩، وتاريخ اليعقوبي ٢: ١٥٧.
٦ الطبري ٧: ١٧، وابن الأثير ٣: ٤١٦، وفتوح البلدان ص: ٣٩٩.
٧ ٧: ٦٥، وابن الأثير ٣: ٤١٧، وفتوح البلدان ص: ٤٠٠.
٨ الطبري ٧: ٦٧، وابن الأثير ٣: ٤٤٠.
٩ الطبري ٧: ٧٩، وابن الأثير ٣: ٤٥١، وفتوح البلدان ص: ٤٠٠.
1 / 22
وفي سنة خمسين ولي الحكم بن عمرو الغفاري خراسان لزياد، فغزا طخارستان، وغنم غنائم كثيرة١، ثم إنه توفي، واستخلف قبل وفاته أنس بن أبي أناس الكناني، فصرفه زياد، وكتب إلى خليد بن عبد الله الحنفي بالولاية، وبعث الربيع بن زياد الحارث٢ في خمسين ألفا من البصرة والكوفة بعيالاتهم، فسكنوا خراسان. وفتح أيضا قوهستان عنوة٣. وقبل أن يموت الربيع أوصى بالولاية لابنه عبد الله، فعاجله الأجل، ومات بعد أبيه بشهرين، فقام مقامه خليد بن عبد الله الحنفي، فأقره زياد٤.
وفي سنة أربع وخمسين ولى معاوية على خراسان عبيد الله بن زياد، فقطع نهر جيحون إلى بخارى، وفتح راميتن، ونسف، وبيكند، وكلها من مدن بخارى، فأقام بخراسان سنتين٥، حتى إذا ما توفي والده اختاره معاوية واليا للبصرة، فاستعمل على خراسان أسلم بن زرعة الكلابي، فلم يغز، ولم يفتح٦. ولم يلبث معاوية أن فصل خراسان عن البصرة، وإدارة عبيد الله بن زياد، وبعث إليها سعيد بن عثمان بن عفان، فعبر النهر إلى سمرقند، فخرج إليه الصغد فصالحوه ثم سار إلى الترمذ، ففتحها صلحا٧. ثم عزله معاوية منها سنة ثمان وخمسين لأنه خاف أن يخلعه ويطالب بالخلافة٨. وولى عليها بعد سنة عبد الرحمن بن زياد، فأخذ أسلم بن زرعة الكلابي، وحبسه، لأنه اتهمه بالخيانة، واستصفى منه ثلاثمائة ألف درهم، وكان عبد الرحمن ضعيفا فلم يغز غزوة واحدة، وبقي بخراسان سنتين٩.
_________
١ الطبري ٧: ٨١، وابن الأثير ٣: ٤٥٢، وفتوح البلدان ص: ٤٠٠.
٢ انظر ترجمته في طبقات خليفة بن خياط ص: ٤٧٩، والتاريخ الكبير ٢: ١: ٢٦٨، والمعارف ص: ٤٤١، والجرح والتعديل ١: ٢: ٤٦١، والاستيعاب ص: ٤٨٨، وأسد الغابة ٢: ١٦٤، والإصابة ١: ٥٠٤، وتهذيب التهذيب ٣: ٢٤٣، وتقريب التهذيب ١: ٢٤٤.
٣ الطبري ٧: ٨١، ١٥٥، وابن الأثير ٣: ٤٨٩، وفتوح البلدان ص: ٤٠١.
٤ الطبري ٧: ١٦١، وابن الأثير ٣: ٤٩٣.
٥ الطبري ٧: ١٦٩، وابن الأثير ٣: ٤٩٩، وانظر فتوح البلدان ص: ٤٠١، وتاريخ اليعقوبي ٢: ٢٢٥.
٦ الطبري ٧: ١٧٢، وابن الأثير ٣: ٥٠٢.
٧ تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٢٥ والطبري ٧: ١٧٧، وابن الأثير ٣: ٥١٢.
٨ أنساب الأشراف ٥: ١١٧، وفتوح البلدان ص: ٤٠٣.
٩ تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٢٥، وفتوح البلدان ص: ٤٠٣، والطبري ٧: ١٨٩، وابن الأثير ٣: ٥٢١.
1 / 23
وفي سنة إحدى وستين استعمل يزيد بن معاوية على خراسان سلم بن زياد، فظل عليها خمسة سنوات، أحسن فيها السيرة، وعدل بين الناس، وغزا ما وراء النهر، وافتتح مدينة مما يلي خارزم، عجز من سبقه من العمال عن فتحها، وأغار على سمرقند، ووجه جيشا إلى خجندة فانهزم١.
وحين بلغ الناس بخراسان موت معاوية بن يزيد، اضطربوا، ونابذوا سلما وخلعوه، فتركهم، واستخلف على مرو الشهجان المهلب بن أبي صفرة، وعلى مرو والفارياب والجوزجان سليمان بن مرشد البكري، وعلى هراة أوس ابن ثعلبة البكري٢.
ثم غلب عبد الله بن خازم على خراسان ما يزيد على سبع سنوات، حارب في أولاها بكر بن وائل، وقتل زعماءها، وأفنى خلقا كثيرا منها بمساعدة بني تميم. وسرعان ما تنكر لبني تميم، ومنعهم من الاستقرار بهراة، فخالفوه وقتلوا ابنه محمدا بهراة، وقارعوه بمرو الشاهجان ومرو الروذ ونيسابور٣. ثم قتله بحير بن ورقاء التميمي. وكان عبد الله بن مروان قد كتب إلى بكير بن وشاح التميمي أن يبايع له، ووعده ومناه، حين رفض ابن خازم الانصياع له، فحبس بحيرا، وادعى أنه هو الذي قتل ابن خازم، وظل مسيطرا على خراسان عاما وبعض عام. فانقسم بنو تميم على أنفسهم، فخشي العرب أن يستطير الشر بينهم، ويقهرهم عدوهم، فسألوا عبد الله أن يولي عليهم عاملا قرشيا لا ينفس عليه أحد. فأرسل إليهم أمية بن عبد الله الأموي فقدم إلى خراسان ولم يعرض لبكير بن وشاح بسوء، وبينما كان أمية مشغولا بغزو بخارى سنة سبع وسبعين ثار عليه بكير بمرو الشاهجان، فخف أمية إليها، وحاصره، فاصطلحا، ولكن بكيرا مضى يؤلب الناس للثورة على أمية، ولم يزل أمية متغافلا عنه، حتى إذا أثبت له أنه يحرض الناس عليه سجنه، وأمر بقتله، فقتله بحير بن ورقاء بسيفه٤.
_________
١ الطبري ٧: ٣٩٩، ٤٠٥، وابن الأثير ٤: ٩٦، وياقوت ٢: ٤٠٤.
٢ تاريخ اليعقوبي ٢: ٢٣٩، وفتوح البلدان ص: ٤٠٣، والطبري ٧: ٤٨٩، وابن الأثير ٤: ١٥٥.
٣ الطبري ٧: ٥٩٣، وابن الأثير ٤: ٢٠٨.
٤ تاريخ اليعقوبي ٣: ١٨، وفتوح البلدان ص: ٤٠٥، والطبري ٨: ٨٣١، وابن الأثير ٤: ٣٤٥.
1 / 24
وفي سنة ثمان وسبعين أقصى عبد الملك بن مروان عن خراسان وسجستان أمية بن عبد الله، وضمهما إلى الحجاج بن يوسف، عامل العراق، فعين على خراسان المهلب بن أبي صفرة، فسيرة المهلب ابنه حبيبا إليها، ثم قدمها، واستمر واليا عليها إلى أن وافته المنية سنة اثنتين وثمانين. وهو قافل من كس إلى مرو الشاهجان. وأغار في ولايته على كس والختل وبخارى١. واستخلف قبل مماته ابنه يزيد ففتح قلعة باذغيس، ثم نحاه الحجاج عن الإمارة سنة خمس وثمانين٢. وعهد بها إلى أخيه المفضل، فكان بخراسان تسعة أشهر، غزا فيها باذغيس وشومان وآخرون، فظفر وغنم، وقتل موسى بن عبد الله بن خازم بالترمذ٣. ثم أقصى الحجاج جميع المهالبة عن خراسان، وسجنهم، وأهانهم، لأنهم كانوا خصومه السياسيين، الذين ينازعونه على السلطة، والذين يتعصبون للأزد، ويضيقون على قيس٤. واستعمل عليها قتيبة بن مسلم الباهلي، فبقي بها حتى سنة ست وتسعين وفي السنة التي وصل فيها قتيبة إلى خراسان سار إلى الصغانيان فصالحه ملكها، ثم مضى إلى آخرون وشومان من طخارستان فصالحه ملكها، واستخلف على الجند أخاه صالحا، ورجع إلى مرو الشاهجان، ففتح صالح كاشان وأورشت وأخشيكت، وكلها من فرغانة٥. وفي السنة الثانية صالح قتيبة ملك باذغيس٦ واستعد للإغارة على بيكند، وهي أدنى مدائن بخارى إلى نهر جيحون، ولم يكد يتقدم إليها حتى استغاث أهلها بالصغد، واستمدوا من حولهم، وأخذوا الطرق عليه، فأوشك أن ينهزم، غير أنه ظفر بهم في النهاية، ودخل المدينة بالقوة وقتل من بها من الجند، وأصاب من الغنائم والسلاح وآنية الذهب والفضة ما لا يحصى كثرة٧. وفي السنة التالية توجه إلى تونكث من
_________
١ تاريخ اليعقوبي ٣: ٢٢، وفتوح البلدان ص: ٤٠٧، والدينوري ص: ٢٨٠، والطبري ٨: ١٠٣٢، ١٠٤٠، وابن الأثير ٤: ٤٨٨، ٤٥٣.
٢ الطبري ٨: ١١٣٨، وابن الأثير ٤: ٥٠٢.
٣ الطبري ٨: ١١٤٤، وابن الأثير ٤: ٥٠٥، وفتوح البلدان ص: ٤٠٧.
٤ الطبري ٨: ١١٣٨، وابن الأثير ٤: ٥١١.
٥ الطبري ٨: ١١٨٠، وابن الأثير ٤: ٥٢٣، وتاريخ اليعقوبي ٣: ٣١، وفتوح البلدان ص: ٤٠٨.
٦ الطبري ٨: ١١٨٤، وابن الأثير ٤: ٥٢٧.
٧ فتوح البلدان ص: ٤١٠، والطبري ٨: ١١٨٥، وابن الأثير ٤: ٢٥٨.
1 / 25
قرى الشاش فصالحه أهلها، كما صالحه أهل رامدين، إلى مرو الشاهجان، وخلف على الجند أخاه عبد الرحمن، فزحف إليه الصغد وأهل فرغانة، فناهضهم حتى كادوا يظهرون عليه. فرجع قتيبة إليه، وانهزم الترك شر هزيمة.
وفي سنة تسع وثمانين أمره الحجاج بغزو بخارى، فعبر النهر من زم، فلقيه الصغد، وأهل كس ونسف في طريق المفازة، فقاتلوه فانتصر عليهم، ولكنه عجز عن التغلب على ملك بخارى، فعاد إلى مرو الشاهجان١. فكتب إليه الحجاج يعنفه. فانطلق سنة تسعين إلى بخارى وحاصرها، فاستنصر ملكها، بالصغد فنصروه، فقويت شوكته بهم، فلم ييأس قتيبة، بل ظل الأمل يغمر قلبه، فصبر، واحتمل هزيمة مقدمته من الأزد، وما سببته من ضعف جانبه، ولكنه أخذ يحمس بني تميم، فاستبسلوا في القتال، ولم يزالوا يجاهدون حتى انتصروا على أهل بخارى والصغد انتصارا عزيزا. ففتحت المدينة، وأذعن ملكها، وتقهقر الصغد إلى بلادهم٢. ولما رأوا ما ألحقه قتيبة بأهل بخارى، وفد ملكهم عليه فصالحه٣.
وفي السنة نفسها نكث نيزك طخارستان، وفاوض ملوك بلخ، ومرو الروذ والطالقان، والفارياب، والجوزجان على التمرد، فثاروا معه، واستظهر بكابل شاه، وطلب إليه أن يلجأ إلى بلاده إذا هزم. ثم خلع النيزك جيغويه ملك طخارستان وقيده، وأخرج عامل قتيبة من طخارستان. وبلغ قتيبة ما فعل النيزك، فجمع قواته من البلدان، وسير أخاه عبد الرحمن في اثني عشر ألفا إلى البروقان، وأوصاه بالمقام فيها حتى ينتهي فصل الشتاء، ثم بالتوجه منها إلى طخارستان. وسار قتيبة بنفسه إلى الطالقان فأوقع بأهلها٤، وقتل منهم مقتلة عظيمة، وأخضع في السنة التالية الفارياب والجوزجان، واجتاز شعب خلم الصعب، وطوق حاميته وشتتها، وحصر النيزك بالقلعة التي تحصن فيها، ثم احتال عليه فأخرجه منها، وقتل ابن أخيه، ونائب
_________
١ فتوح البلدان ص: ٤١٠، والطبري ٨: ١١٩٨، وابن الأثير ٤: ٥٣٥.
٢ الطبري ٨: ١٢٠١، وابن الأثير ٤: ٥٤٢.
٣ الطبري ٨: ١٢٠٤، وابن الأثير ٤: ٥٤٣.
٤ تاريخ اليعقوبي ٣: ٣٢، والطبري ٨: ١٢٠٤، وابن الأثير ٤: ٥٤٤.
1 / 26
ملك طخارستان، وكثيرين ممن انضموا إليهم وناصروهم١. ثم زحف إلى شومان فحاصرها وقتل ملكها، وإلى كس ونسف ففتحها، وأنفذ أخاه عبد الرحمن إلى الصغد، فقبض من ملكها المبلغ الذي صالح قتيبة من قبل عليه٢. وفي سنة اثنتين وتسعين غزا سجستان، واقتحمها، فأرسل إليه زنبيل كابل يطلب الصلح فصالحه٣.
وفي السنة التالية أغار على خوارزم بالتواطؤ مع ملكها، لأن أخاه الأصغر غلبه عليها، واشترط عليه أن يدفع أخاه إليه إذا دخلها، فوافقه قتيبة، ومضى إلى خوارزم، فأسر خرزاذ، وسلمه للشاه مع غيره ممن خالفوه٤، ولكن أهل خوارزم لم يلبثوا أن وثبوا بعامل قتيبة عليهم، فبعث إليهم أخاه عبد الرحمن، كما وجه إليهم فرقة أخرى عليها المغيرة بن عبد الله، فهرب الشاه إلى بلاد الترك، وقدم المغيرة، فقتل وسبى، وصالحه الباقون على الجزية٥.
وفي السنة ذاتها أرسل أخاه عبد الرحمن إلى سمرقند، لأن أهلها نكثوا بما عاهدوه عليه سنة إحدى وتسعين، فأحاط بهم، وشدد الطوق عليهم، فاستنجدوا بملك الشاش، وملك فرغانة، وخوفوهما أن العرب إذا قهروهم فإنهم سيثنون بهما، فدفعا إليهم جمعا من الفرسان، وأولاد الملوك، فانكسروا انكسارا منكرا، وذل الصغد، ورمى قتيبة مدينتهم بالمجانيق، حتى ثلم في سورها ثلمة احتلها جنوده بعد قتال مرير، فصالحوه على الجزية. وشرطوا عليه أن يبني بالمدينة مسجدا، ثم يخرج منها، فدخلها وأحرق الأصنام، وأبقى جالية عربية. ثم رجع إلى مرو الشاهجان٦.
وفي سنة أربع وتسعين اجتاز قتيبة نهر جيحون، وفرض على أهل بخارى وكس، ونسف وخوارزم عشرين ألفا من المقاتلين، فأتوه فوجههم إلى الشاش، وسار هو إلى فرغانة، فلما وصل إلى خجندة، استجاش أهلها وناهضوه في معارك متعددة كان له
_________
١ الطبري ٨: ١٢١٨، وابن الأثير ٤: ٥٤٩.
٢ الطبري ٨: ١٢٢٧، وابن الأثير ٤: ٥٥٣.
٣ الطبري ٨: ١٢٣٥، وابن الأثير ٤: ٥٦٩.
٤ فتوح البلدان ص: ٤١٠، والطبري ٨: ١٢٣٧، وابن الأثير ٤: ٥٧٠.
٥ ابن الأثير ٤: ٥٧٥.
٦ تاريخ اليعقوبي ٣: ٣٣، والطبري ٨: ١٢٤١، وابن الأثير ٤: ٥٧١.
1 / 27