تمتم وهو يتجرع المرارة: لم أكن أدري. - طبعا فأنت أخ كريم.
ها هي تقول له: «أنت تعرف تماما ما تسأل عنه.» بعد أن تلاشى الماضي تماما. ولكنه تلقى الخبر وقتها بحزن مجنون بها. ودفعته انفعالاته إلى جحيم الكراهية. انقسمت عاطفته نحو يسري أحمد، فجرى الحب في نصفها والمقت في النصف الآخر. يسري قصير رقيق وهو طويل رشيق، صاحبه رقيق ضعيف وهو رياضي قوي نسخة طبق الأصل من أبيه داود الناطورجي. وتساءل بحقد هل أصابها العمى؟ وتساءل أيضا هل يسلم بالهزيمة أو ينتظر نجدة من المجهول، من الموت نفسه؟ ها هي تقول له: «أنت تعرف تماما ما تسأل عنه.» وقال لنفسه: «إن خير ما اهتديت إليه هو أنه لا معنى لشيء.» - أعددت في الفيلا حجرة خاصة لوالدتك ولكنها عنيدة. - وأنا أيضا ألححت عليها، ولكنها كما قلت لك لا تفرط في بيتنا القديم.
هز رأسه متظاهرا بالأسف. عادا يتبادلان شعورا خفيا بوجودهما معا ويلوذان بصمت هنيء حتى خطرت له خاطرة فضحك، فسألته: ماذا يضحكك؟ - عرفتك دائما جادة فلم أكن أتصور أنك أنثى كاملة ...
فضحكت بسرور وقالت: ولكنك أقدمت رغم ذلك على طلب يدي! - إنه الحب! - أنت أيضا لا تخلو من تناقض، فمظهرك القوي غير متناسب مع رقتك الحقيقية. - فتملى قولها قليلا ثم تساءل: لعلك لا تتصورين أني قاتل مثلا؟
فقالت ضاحكة: إني كيميائية لا سيكلوجية وهذا من حسن حظك. - بهذه المناسبة أقول لك إنني شرعت أغازل كتبك العلمية، فعليك أن تغازلي كتبي الثقافية، كلانا يكمل صاحبه.
فقالت باهتمام: ولكني أسيئ الظن بكتبك، ولن تجد يقينا حقيقيا إلا في الدين والعلم ... إنها تتحدث عن اليقين. لعلها تظن أنها تعرفه كما يعرفها. وهي صارحته بكل شيء، صادقة صريحة ومنذرة بالمخاوف، أما هو فلا يعرف عنه إلا السطح، فهل تزوجت من رجل آخر؟ إنه الحب ولكنه الخوف أيضا فهل تتسع هذه الفيلا لثلاثة؟ وثمة الشعور الحقير بالذنب يطارد العذابات الخفية. هيهات أن ينسى منظر يسري أحمد قبيل وفاته، والانقضاضة الوحشية الدنسة في ظلام الليل.
2
وقفت في الشرفة عند الضحى في مهبط الشعاع الذهبي، عقب جولة من المشي السعيد في شوارع المعادي. يا لها من قامة رشيقة ووجه جذاب. إنه يملك ذلك كله بعد حسرة التهمت الصبا والشباب الأول. تمتمت: غدا أرجع إلى العمل، لكل شيء نهاية.
كما انتهى شهر العسل، وكما يدب الفناء في الوليد منذ اللحظة الأولى، قال بأسف: غاب ذلك عن بالي تماما.
فقالت متهكمة: هكذا ذاكرة الأعيان. - ترجعين راضية إلى معامل وزارة الصحة؟! - كل الرضا. - ذكرياتي عن الكيمياء تتلخص في أنابيب يتصاعد منها دخان كريه الرائحة ... - ولكني أراها بعين أخرى. - وكيف يستقبلونك بعد شهر العسل؟ - طبعا لن يخلو الاستقبال من غمز.
অজানা পৃষ্ঠা