فقال مغلوبا على أمره: أروم حياة مطمئنة.
أمسك الرجل عن الكلام حتى تشبع الصمت باللهفة والأشواق، ثم قال: استمر!
فتطلع إليه شطا في حيرة بل في فزع، فقال الرجل: هذا هو الحكم، استمر!
فقال شطا بحرارة: أريد كلمة واضحة محددة.
فقال المعلم: لقد أضجرتني فاذهب.
23
مضى بزوجه إلى بدروم عمارة الجبلي. كانت أمه - ستهم الغجرية - في الخارج فجلسا وحيدين. اجتاحته الحيرة والتشاؤم بخلاف وداد التي راحت تقول: كان بوسعه أن يضربك أو يطردك من الحارة أو يصر على طلاقنا، الحق أنه عفا عنا. فتساءل: ماذا منعه من النطق بالعفو؟ - لعله عز عليه أن ينطق به بعد ما كان منك، ولكن ألا ترى أنك حر، لم ينلك أذى، وأنك ستواصل الحياة مثل بقية الناس؟ - لم يتركني حرا، أمرني أن أستمر، ثبتني في أعماق الحيرة، لم يطردني من العصابة ولم يرجعني إليها، لم يعاقبني ولم يعف عني، لم تند عنه كلمة واحدة تدل على الرضا ولا على الرفض!
فقالت بحرارة: عش حياتك ولا تشغل بالك بألغاز لا حل لها. - ولكن كيف؟ ألا يجوز أن أحاسب فجأة على أنني «لم أستمر»، ما زلت أشعر بأنني مكلف بأمر ما، غير أنني أجهله هذه المرة جهلا تاما. - يخيل إلى أن محور همك يدور حول إيمانك بجديته المطلقة، أليس هو في النهاية رجلا يجد حينا ويلهو حينا آخر؟ أليس من المحتمل أنه يميل إلى العبث وأنه وجد فيك مادة صالحة لعبثه؟ أبعده عن ذهنك وعش حياتك ولن تلقى مكروها أبدا. - لو افترضت به العبث لانقشعت الحيرة من أساسها، ولكنه رجل أقوى من الطاحونة وأدق من الساعة.
ثم رماها بنظرة مقطبة وتساءل: أيرضيك أن ترجعي ما حل بنا من شقاء وتضحية إلى اللهو والعبث؟! •••
ولما رجعت ستهم فرحت بعودته، ولكنها رحبت بفتور بوداد. وقبل مضي يوم راحت تعاتبه على ما جر على نفسه من سوء السمعة. والحق أن أقرانه لم يداروا عنه احتقارهم، وكاد أهل الحارة يقاطعونه مقاطعة كاملة. اضطر إلى أن يبحث عن رزقه بعيدا عن الحارة، وتجرع الغربة وهو بين الأهل والجيران.
অজানা পৃষ্ঠা