حنى رأسه مصدقا، ولكنها تجلت أمامه في هالة وضيئة. قالت مؤكدة: كان يمكن أن يمضي كل شيء بلا أثارة من شك! - أدرك ذلك.
فقالت بصوت واضح: ولكني أرفض الكذب والخداع، فضلا عن أنك شخص جدير بالصدق!
فقال وبنيانه ينهار: فعلت ما هو جدير بك. - شكرا.
فقال مزدردا ريقه: لا يمكن الشك أن يرتقي إليك وقد ازداد احترامي لك.
فتساءلت: ألا تخلو إلى نفسك بعض الوقت؟ - لا داعي من ناحيتي لتبديد الوقت.
فهمست باسمة لأول مرة: لبيب. إنك نبيل كما اعتقدت دائما.
هكذا وهب وسام النبل والأمانة. أما كان يجدر به أن يعترف لها بدوره؟ بدا ذلك مستحيلا، كان على القاتل المغتصب أن يتوارى. الممثل يتهادى اليوم على المسرح وحده. لولا الحب والعناد ما أقدم على طلب يدها. كان حانقا عليها بقدر حبه لها. وكان يعتبرها الحقيقة الوحيدة المتاحة له. ها هو الممثل يمعن في التمثيل ويتمادى. على حين يختفي الشخص الحقيقي ويذوب في الظلام. هو الظلام القديم الذي مكن له من الحب والانتقام. كان مرفوضا معذبا، رفضته فتحية كما رفضته الحقائق. كان لقيطا ملقى في الوجود بلا أمل. وكان ينتظر خروجها من بيت صديقتها ليتبعها عن بعد. وانطفأت الأنوار فجأة وتمطى الظلام العميق. اعتقد أن الظلمة معجزة يجود بها الدهر. استيقظت شياطينه التي لم يعد يزجرها شيء. انقض على الحلم الجميل مدفوعا بالهوس والرغبة والتحرق على الانتقام. كاد يهلكها لولا أن أنقذها الإغماء. حملها إلى دهليز بيت قديم. انحصر في ذاته الهائجة ففقد الوعي بالوجود. نسي أنه مهدد بقادم من فوق أو من الخارج أو بعودة النور. ثم مضى لاهثا ذاهلا لا يصدق بالنجاة. مضى متشفيا من ذاته، من أبيه، من فريسته، من الوجود نفسه.
كانت تتابع المسلسلة مسترخية باسمة ...
9
جلسا في مجال المدفأة الكهربائية. الجو في الخارج يصرخ ويزمجر وإيقاع المطر يتتابع فوق الأشجار والنوافذ المغلقة. منظرها يستحق الرثاء. شحب لونها وغارت عيناها وانطفأ سحرها. وكان رمضان يطرق الأبواب، فقال مداعبا: سأصوم وحدي يا عزيزتي.
অজানা পৃষ্ঠা