শয়তান বানতাউর
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
জনগুলি
قال: دع عنك يا بني ما تسميه المحاكم المختلطة، وما تدعوه الامتيازات؛ ودع القناصل وما تزعم لهم من حول وطول، واسحب ذلك على أولئك القواد من أهل العبث وطلبة المظهر الكذب والشهرة الباطلة؛ وهب أن الملك إدوارد وقيصر والملوك الآخرين ملكوا عليكم البحر بالأساطيل، ثم ملكوا عليكم البر بالجيوش زاحفة، أكانوا قادرين على إذلالكم إن كان لكم من أنفسكم عزة، أو تفريق كلمتكم إن كان لها منكم جامع، أو تضييع حقكم إن كان له منكم طالب؛ أم كانوا ضاربين على أيديكم أن لا تتداولوا أشياءكم فيما بينكم، تنشطون الصانع منكم بالإقبال، وتشجعون التاجر بالتهافت على بضاعته. إن علمتم على أهل الصناعات منكم نقصا فتجملوا بنقصهم حتى يزول فتتجملوا بكمالهم؛ فإنكم لا تزالون عراة حتى تلبسوا مما حكتم وخطتم، ولا تزالون حفاة حتى تنعل أيديكم أرجلكم، ولا تزالون مشاة حتى تركبوا فيما صنعتم، ولا تزالون تتوسدون الثرى حتى تسكنوا ما بنيتم؛ وليس هذا الذي ترى يا بني، من ثياب يزهو بها الجماعة، ومواكب يختالون بها، وقصور ينعمون فيها، وما هي من صناعة البلاد في شيء، إلا مقابح ترى على الأمة في مجموعها وإن توهمها بعض الأفراد محاسن؛ إذ جملة ما يقال عنها: أمة عارية، كل أشيائها عارية!
واعلم يا بني أن الاحتلال الذي تستعظم أمره وتقول وجوده حقيقة وأقول وجوده توهم، لا يضيق ذرعا بمن ذكرت من قادة الأفكار، ولا يتأثر بسحبان لو رد إلى الحياة فخطب، ولا بعبد الحميد لو بعث بعد ممات فكتب؛ ولا يتعب بمعارض قوال، ولا يشقى بمعاكس فعال، عشر معشار ما يقيمه ويقعده، ويضايقه ويحرجه، أخذكم بالصناعة والتجارة أخذ الأمم الناهضة الراقية؛ لأن الإنكليز وغيرهم من أمم الحضارة الحاضرة يذهبون من التملك والاستعمار في غير المذهب القديم؛ فلا يدخلون البلاد فاتحين يقبضون نفوس أهلها ويسلبون من ذوي الأملاك أملاكهم ، لكن كما يدخل التجار الأسواق، همهم الاستكثار من الثروة، والاتساع في التجارة، والتقدم على سائر الأمم في هذا السبيل بحق الحكم وفضل الاستعمار؛ فكل بلاد يحكمها الأجنبي في هذا الزمن إنما يحكمها في الحقيقة بذراع مرتفعة من الصناعة، ويد قوية من التجارة، بحيث يصح أن يقال عن عصركم هذا: لو كان رجلا لكان تاجرا.
قلت: أفدت يا مولاي وإن لم تزدني علما بزمني وأشيائه، لكن من أين لك هذه النظرات وأنت غريب في هذا الزمن، أجنب عن أهله، نكرة في هذه الثياب؟
قال النسر وهو يبتسم: ما غرك بشيطان بنتاءور فأنكرت عليه بعد النظرة، واستغربت منه صدق الخطرة، وقد كنا يا بني نمشي في البلاد المحكومة ونخطر بين الأمم المقهورة، فلا نرى إلا معسكرات مشحونة، ولا ننظر من مظاهر الدولة الحاكمة، ودلائل الحكومة القائمة غير الجنود الفاتحة، يحمل الناس كبرياءهم في كل مكان، ويصبرون لاعتدائهم في كل آونة، أما اليوم فليست المعسكرات إلا هذه الحوانيت، وليس الجند إلا هؤلاء التجار؛ فإن قالوا إن الهند مثلا يحكمها سبعون ألفا من جنود الملك إدوارد، فقل إنما ناصيتها بيد سبعة من ملوك التجارة في لندره.
ولقد أتى لكم معشر المصريين أن تؤمنوا فيمن آمن بهذه الآية، وتعتقدوا أن العز في هذا الزمن قبة لا تضرب على قوم حتى يمدوا لها الطنبين: الصناعة والتجارة، ويرفعوا لها عمودا من الهمة والإقدام.
قلت: كل ذلك قيل للأمة يا مولاي، ودعيت إليه بألسنة قائلة، وأصوات مرتفعة، ولكنها لم تر فيه رأيا، ولم تدبر لها أمرا حتى الآن؛ على أن ذلك لا يثني مولاي عن الاشتراك مع الناصحين في مقالة يقولها ربما نجحت في رجل واحد ممن تصل إليهم، فتكون قد غنمت أجرا، وبلغت عذرا.
قال: لا رأي لي يا بني حتى أرى، ولا حكم لي حتى أنظر وأخبر، وستكون لي معك خطبة وداع حافلة بالنصائح والعظات.
قال الهدهد: ثم تثاءب النسر كعادته، وقال كلمته المعهودة: إذا جاء الليل ذهبت الشياطين. فسألته: وأين الملتقى غدا يا مولاي؟
فأشار إلى الكونتيننتال وقال: في هذا النزل.
المحادثة الخامسة عشرة
অজানা পৃষ্ঠা