শয়তান বানতাউর
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
জনগুলি
قلت: قد كان لك غنى يا مولاي عن التكشف له، وإطلاعه على حقيقة معتقدك.
قال: أردت أن أريك كيف يحفظ القوم دينهم في الكبيرة والصغيرة.
عجبا لكم معشر المصريين، أنتم أمة التاريخ وليس لكم فيه كتاب! هلا تشبهتم بآبائكم الأولين! فلقد كان الواحد منا أحرص الناس على حديث بعده يؤبده في حجر يشيده، وذكر مع الزمن يخلده، في أثر ينضده؛ وكان أحب الأعمال إلى ملوكنا وضع التاريخ وتدوين السير، لعلمهم بأن التاريخ دليل الأمم، ومرشد الشعوب، وإن قوما لا يعرفون ماضيهم لا يكون لهم بحاضرهم اعتناء، ولا في آتيهم رجاء، أليس عارا عظيما على الشرقيين، وفيهم اليوم العالم الذكي، والكاتب الألمعي، ألا يعلموا من سيرة «الأمير عبد الرحمن» المتوفى بالأمس، غير ما تنقله صحف الغربيين ومجلاتهم.
وإني أسترعيك لقضية لا تفوت أهل النظر في أحوال البشر، والباحثين في طبائع الاجتماع.
قلت: وما تلك يا مولاي؟
قال: يدهش الناظر المتأمل، والباحث المدقق، لما يرى من التفاوت البين في الأخلاق، والتباين الظاهر في الطباع بينكم معاشر النازلين هذا الوادي في شمال أفريقيا، وبين أمة البوير سكان الجنوب؛ ويحار فلا يدري بأي الآراء الثلاثة يأخذ، وإلى أي المذاهب الثلاثة يرجع: أيذهب مع القائلين بفعل البيئة في الأمم، وتأثير الإقليم في الشعوب، وسلطان المقام على المقيم؛ فيحكم أن جار الليث أسد، وجار العير وتد؛ أم يجاري الذاهبين إلى أن اختلاف الطبائع ليس إلا نتيجة اختلاف الأجناس؛ أم يعتمد على رأي القائلين بأن العقل البشري - وهو مركز القوى المدركة في الإنسان، والنفس - وهي مهبط الفضائل أو الرذائل فيه - ليسا إلا هبتين يشترك فيهما أصناف العباد، وإن تفرقوا في أطراف البلاد، وإنما يصح العقل بالتعليم الصحيح، وتقوم النفس بالتربية الحقة؟ على أنني إلى هذا الرأي الثالث أميل، وعليه في اعتقادي المعول؛ فعليكم بالعلم، خذوه نافعا دافعا، واهجروا منه ما يميت إلى ما يحيي، واطلبوه لدنيا تعملون لها كأنكم تعيشون أبدا، أو لآخرة تعملون لها كأنكم تموتون غدا، وعليكم كذلك بالتربية، فإنها باب مدينة العلم، لا تدخل إلا منه؛ خذوا صحيحها ولا تأخذوا فاسدها، واطلبوها لأنفسكم؛ فإن كبرت عنها فلأبنائكم، فإن لم تكمل لهم كملت لأبنائهم من بعدهم؛ وكونوا الحفظة الذين تكرم عليهم بلادهم في الشدة أضعاف ما تكرم عليهم في الرخاء؛ يبكونها بالدموع آونة، وفي القلوب آونة؛ لا يغفلون لها عن حرمة، ولا يقصرون لها في الخدمة؛ حبها لهم العشق، لا التفات فيه إلى ملامة، ولا قيمة معه للسلامة.
أعمار الأفراد قصار، والأمم طويلة الأعمار؛ وآمال الواحد الفرد تفوت بموته وآمال الجماعة لا تفوت، وإنما هي لهم مثل الورق للشجر: ينزعه حينا ويكساه حينا؛ وما بنى قوم بناءهم في المجد ولا قامت سعادة أمة إلا على العلم والتربية؛ وهما إنما يحصلان في المدرسة، وليس ما يمنعكم من إنشائها؛ فإذا أنشأها غنيكم غير مسرف، ودخلها الكهل بالليل غير مستنكف، ولزمها الصبي بالنهار غير متكلف، وأخذتم العلم فيها كما يريد زمانكم الذي أنتم مخلوقون له أن يؤخذ، فقد استقبلتم الحياة من وجهها الحق، وأخذتم في التقدم العصري بالسبب الأوثق.
اللغة رأس مال الأمة في العلم والعرفان، والدين رأس مالها في التربية والأخلاق؛ فاجعلوا المحل الأول في مدارسكم لهذين؛ فالثمرات إنما تأتي بقدرهما. الإنسان إذا علم كان إنسان العين، وإذا جهل كان إنسان الغابة؛ والعلم إن لم يتأسس بالتربية كان لحامله محنة، وللناس فتنة؛ فاجمعوا بينهما في الدار، ثم في المدرسة، ثم في الحياة؛ تلك المدارس الثلاث الكبر؛ فأما الدار فالأستاذ فيها المرأة، وأما المدرسة فالمعلم فيها الرجل، وأما الحياة فالمربي فيها الزمن؛ فابدءوا بالنساء فعلموهن في الصغر يعلمنكم في الكبر، وربوهن في الطفولة يربينكم في الكهولة، ولا تنشئوا مدرسة واحدة للرجال إلا وقد أنشأتم مدرستين اثنتين للنساء.
إذا اشتغل الحليم بالسفيه شارف على السفاهة، وإذا اشتغل العالم بالجهول شارف على الجهالة، وأكثر ما ينتشر السفهاء والجهلاء، وأشد ما يكون إفسادهم وإيذاؤهم في الأمم وهي في بداية نهضتها؛ فمثلها عندئذ كالأنهار الكبيرة في أزمنة الفيضان: تسوق الأقذار فتساق بتيارها، ويختلط الخبيث بالطيب، ثم لا تلبث أن تلفظ الفاسد وتستبقي الصالح، فينصلح الماء وتفيض الخيرات على البلاد والعباد؛ فلا يثبطن لئامكم كرامكم، ولا تلقوا للصغائر مما يحدثون بالا، واعملوا كل بما تعلم من علم أو صناعة، وأتقنوا العمل؛ فإن إتقانه يلقي عليه اليمن والبركة، ويولد بين العاملين المنافسة والمسابقة والمزاحمة، وعلى هذا تقوم حياة الأمم كما تقوم حياة الأفراد على دورة الدم.
ليس بين دبيب الحياة في الأمة وبين ظهورها كاملة الأدوات تامة الصفات، إلا مثل ما يخفق فؤاد الجنين لأول وهلة، ثم تمسك الحياة فيه بعضها بعضا وينمي بعضها بعضا؛ فلا تزال به حتى تخرجه إلى الوجود فيؤدي فيه وظيفته، ويستوفي فيه برهته؛ ولا أجد مثلا لما أصف إلا أمة اليابان، وإنها لدليل حاضر، وشاهد معاصر، على أن الحياة ربما كانت أسرع جريا بالأمم منها بالأفراد؛ فقد جاوز اليابانيون أطوارها الأول إلى هذا الشباب المرجو المخايل، المبشر بأبرك أعمار في المدنية والحضارة، في نحو ربع قرن من الزمن؛ وهي برهة قد لا تكفي الواحد من الأفراد ليبلغ في الصبا أملا، أو يحسن في الحياة عملا.
অজানা পৃষ্ঠা