শয়তান বানতাউর
شيطان بنتاءور: أو لبد لقمان وهدهد سليمان
জনগুলি
قال الهدهد: خطرات شاعر وأمنية شيطان، فمن حضر بعده تحقيقها فليذكره، ومن علم بها ولم يرها أبرزت من القول إلى العمل فليعذره. ثم بلغت عشي فنمت ناعم البال مغتبطا بما وعدت من لقيا النسر، كأنما وعدت ملكا كبيرا، فلما أصبح الصبح قطعت نهاري متململا حتى الأصيل، وأنا لا أدري ماذا عنى النسر بمنف، أهذه القرية أم تلك المدينة؟ وهل موعدنا منفيس أم ميت رهينة؟ حتى إذا ذهب معظم النهار طرت إلى النيل أريد أن أعبره فوق سارية من معدية، فلما شارفته رأيت ما ملئت منه تعجبا وتحيرا، رأيت شاطئين يتغايران، وضفتين تختلفان: هذه تلوح موحشة كأنها قبر بمكان قفر، أرض على الطبيعة، وفلاح على الفطرة، وجيئة لغير مطلب، وذهاب في غير مغنم، وزرع للفلاح إنباته، وللتاجر ثمراته، وهذه تموج بمعالم العمران، وتتجلى في زخارف الحضارة، وتتدفق حياة، وتتوثب وجدانا، فوقفت أتأمل هذا المرأى البهج، والمنظر العجب، والمشهد البديع وأنا أتهم الخيال ولا أتهم الحس، ولا أبرئ نفسي من سحر أو مس، وقد أنساني الذهول ذكر ما وعدني النسر أمس؛ أنظر إلى النيل فأرى المجاديف تنتهب مياهه من تكاثر السفن لديه، وتلاقي الزوارق عليه، مشحونة بالبضاعة، مملوءة من الجماعة، فكأنما أنظر إلى السين أو الرون أو الدانوب، فذكرت عندئذ ما قاله نابليون لجماعة من جنده في مصر، وقد مر بهم فرآهم ينظرون إلى النهر، وسمعهم يتساءلون: أهذا هو النيل الذي تشيد الكتب المقدسة بذكره، وتبالغ الأجيال في قدره؟ إن السماع به خير من رؤيته! فاقترب منهم وقال: إنه لا يعوز النيل إلا خمسون عاما، ثم يبدو لكم كما تصفه الكتب المقدسة أو أجل! فقلت في نفسي: لئن زعم نابليون أن مصر لا ينقصها إلا التمدين ولا بد أن تناله على يد الفرنساويين أو غيرهم من الأمم المتمدنة؛ فقد مر مائة عام لا خمسون؛
1
فما بالي أرى هذه الضفة بحالتها التي رآها جنود نابليون عليها، وأرى لدى هذه نعيما وملكا كبيرا؟ وبينما أنا في التخيل تارة والتأمل تارة، والتوهم مرة والتيقن كرة، بصرت بزورق يقترب مني، ويجريه عصبة من المجدفين في الزي المصري القديم، كما تمثلهم لنا الآثار، وقد نهض فيه رجل كأنه المثال المنصب رونقا واعتدالا، وسكينة ومهابة، وهو مكشوف الرأس، لابس ثياب المصريين القدماء كذلك، فأشفقت من رؤية الزورق ورجاله لأول وهلة، وتحفزت المطار؛ فصاح الرجل بي يقول: إلي يا هدهد، إني أنا النسر فلا تخف ولا تجزع!
قلت: وما بدلك يا مولاي؟ وما هذه الحال؟ وهبني جئت إليك، فأين تريد أن تجعلني؟
قال: تقدم ثم تكلم.
فطرت من فوري إليه، فتلقاني بكلتا يديه، ثم رفعني فوق كتفه، وقال: هذا مكانك فاستقم فيه، ولا تكثر من التلفت والانتفاض فتؤذيني.
قلت: سمعا وطاعة يا مولاي.
وعندئذ أشار إلى الملاحين أن ينثنوا بنا راجعين، فسالت أيديهم بالزورق في نهر سرى به الجلال، وخط عليه الجمال، تتلاقى السفن فيه كالجبال، تنوء بالبضائع والغلال، وتفيض من الرجال والأموال، فسألت النسر: لمن هذه الأرباح يا مولاي؟ لقد أذكرتني كنوز سليمان عليه السلام، وجواريه المنشآت في البحر كالأعلام.
قال: هذه رعية مولانا الملك رمسيس، تروح وتغدو بين طيبة ومنفيس، ناهضين بالمتاجر الجسيمة، قائمين بالأعمال العظيمة، تجري السفن بهم ليل نهار، بين شاطئين كلاهما محط لرحال التجار.
قلت: وإلى أين تمضي بي الآن يا مولاي؟
অজানা পৃষ্ঠা