16
ولم يكن عمر في أثناء خلافته معنيا بشئون الناس يدبر لهم أمر دنياهم فحسب، ولكنه كان معنيا بهم يعلمهم شئون دينهم في المدينة، يخرج بين وقت وآخر من بيته فيجلس على المنبر، ويتسامع الناس بمجلسه ذاك في المدينة ما قرب منها وما بعد؛ فيسرعون إلى المسجد مهتمين لذلك، فيعلمهم عمر من شئون دينهم ما شاء الله أن يعلمهم.
وكان رجلا يحب أن يكون علميا - كما يقال - فلم يكن يعلمهم الدين خالصا، وإنما كان يعلمهم الدين ويبين لهم كيف يلائمون بينه وبين حياتهم اليومية، وكيف يطابقون بينه وبين ما يأتون من الأمر وما يدعون، يفسر لهم آيات من القرآن الكريم تتصل بحياتهم العامة، ويعظهم في أثناء ذلك، ويبين لهم كيف يؤدبون نفوسهم بأدب الدين فيؤثرون في القول والعمل ما يرضي الله، يهتدون في ذلك بهدي القرآن وبهدي النبي
صلى الله عليه وسلم .
وكان يرسل الأمراء إلى الأمصار على أن يقيموا للناس صلاتهم ويعلموهم شرائع دينهم، ويمضوا فيهم بالعدل، ويسيروا فيهم سيرة صالحة ملائمة للدين أشد الملاءمة وأدقها، وربما أرسل مع الأمراء رجالا من أصحاب النبي يقرئون الناس القرآن ويعظونهم ويعلمونهم الدين.
ولم يكتف عمر بذلك وإنما كان يرعى شئون الدين كلها في دقة كما كان يرعى شئون الدنيا، ورعايته هذه لشئون الدين قد حملته على أن يبتكر أشياء لم يكن للمسلمين بها عهد أيام النبي ولا أيام أبي بكر، فهو الذي أخذ الناس بقيام رمضان بعد أن تصلي العشاء؛ فسن لهم صلاة التراويح، لم يقصر هذا على الرجال وحدهم وإنما سنه للنساء أيضا، وجعل للرجال قارئا يصلي بهم في صلاة التراويح هذه، وجعل للنساء قارئا يصلي بهن هذه الصلاة، وكتب بذلك إلى الآفاق لتكون هذه الصلاة عامة بين المسلمين.
واشتد في عقاب الذين يشربون الخمر؛ ففرض لشرب الخمر حدا لم يكن معروفا قبله، فالله حرم الخمر في القرآن الكريم، ولكنه لم يفرض على شاربها عقابا في الدنيا، وإنما ترك ذلك لما ادخر للمخالفين عن أمره ونهيه من العقاب يوم القيامة.
ولم يحاول أبو بكر - رحمه الله - أن يزيد على ما كان النبي
صلى الله عليه وسلم
يفعله، ولكن عمر رأى أن المسلمين ينساحون في الأرض ويمضون في الفتوح، وأشفق أن يغريهم بعدهم عن مركز الخلافة بالتهاون في رعاية ما أمر الله به واجتناب ما نهى عنه.
অজানা পৃষ্ঠা