قد تمنى على الله أن يعز الإسلام بعمر بن الخطاب، وقد حقق الله لنبيه ما تمنى فهدى عمر إلى الإسلام، وتحول عنف عمر عن غايته الأولى إلى غاية أخرى مضادة لها كل المضادة؛ فأصبح عنيفا بالمشركين، وأصبح أشد المسلمين في دينه وأصرحهم على إظهار هذا الدين، وأسرعهم إلى تحدي قريش ومباداتها بما كان من إسلامه، واحتمال ما وجه إليه من الأذى في ذلك، لا كما يحتمله العاجز الذي لا يستطيع دفعا عن نفسه، بل كما يتلقاه الرجل القوي الذي يكيل لخصمه بالصاع صاعين.
والواقع من أمر عمر أنه بدأ بخاله أبي جهل؛ فمضى حتى طرق عليه بابه، فخرج إليه أبو جهل ورحب به حين رآه، ولكن عمر فجأه بإعلان إسلامه، وشهد أمامه أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؛ فأغلق أبو جهل الباب في وجهه وهو يقول: بئس ما جئت به!
ومضى عمر يلتمس أسرع قريش إلى إذاعة الأسرار وإفشائها، فأسر إليه أنه قد أسلم، وأسرع الرجل فأذاع في أندية قريش، لم يترك حلقة من حلقاتهم في المسجد إلا وقف عليها وأنبأها بإسلام ابن الخطاب، وأقبل عمر بعد ذلك إلى المسجد؛ فتواثبت إليه قريش تضربه وتؤذيه، وهو يدافعها عن نفسه في جراءة وصرامة وإقدام حتى أجهده القوم، فصرعوه وكادوا يبطشون به لولا أن أقبل العاص بن وائل فرد عنه القوم، وذكرهم بمكانه من بني عدي، وبما يفسد من أمر قريش إن أصاب عمر مكروه؛ فتفرق القوم عنه كارهين وقد بلغ منه الجهد.
ثم لم يقف أمره عند هذا، فإليه يرجع الفضل في إظهار الإسلام بمكة وإخراج المسلمين من مخابئهم بدينهم، فقد كانوا يستخفون بالإسلام ولا يجرءون على أن يظهروه بمحضر قريش، فما زال عمر يجاهد قومه حتى اضطرهم إلى أن يكفوا عنه أولا، وعن سائر المسلمين بعد ذلك. واستطاع النبي
صلى الله عليه وسلم
وأصحابه على اختلاف منازلهم من قريش أن يصلوا في المسجد معلنين صلاتهم غير مستخفين بها، وأن يتخذوا لأنفسهم مجالس في المسجد بإزاء مجالس المشركين من قريش.
فليس عجيبا أن يقول ابن مسعود فيما تحدث عنه الرواة: كان إسلام عمر فتحا، وهجرته نصرا، وإمارته رحمة. وكلمة ابن مسعود هذه على اختصارها هي أدق وصف يختصر حياة عمر منذ أسلم إلى أن توفي، فقد كان إسلامه فتحا حقا؛ لأنه أتاح للمسلمين أن يعلنوا دينهم، وأن يصلوا أمام الملأ من قريش وهم آمنون.
وكانت هجرته نصرا؛ فقد كان أنصح أعوان النبي في المدينة لله ورسوله والمسلمين، وأغلظ أصحاب النبي على اليهود والمنافقين، وكانت إمارته رحمة؛ فقد أتاح للمسلمين أثناء خلافته لونا من الحياة ما زالت الأمم المتحضرة الآن في الغرب مقصرة عن بلوغه على شدة ما تجتهد في سبيله، وما زال المسلمون في هذه الأيام يرون هذا اللون من الحياة التي أتاحها عمر للناس حلما ولا يدرون متى يصبح حقيقة على ما أتيح لهم وما يتاح لهم في كل يوم من الوسائل التي تعينهم على تيسير الحياة، ولم يكن عمر يملك من هذه الوسائل شيئا.
2
يقول ابن سعد: إن عمر أسلم وسنه ست وعشرون سنة. ويتفق الرواة على أنه أسلم في السنة السادسة من مبعث النبي
অজানা পৃষ্ঠা