11
وفي آخر الأسبوع الأول من شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة للهجرة مرض أبو بكر، وكان قد اغتسل في يوم بارد، فأخذته حمى جعلت تثقل عليه حتى أحس أبو بكر أنه الموت، وقد كلم في دعاء الطبيب؛ فقال - فيما تحدث ابن سعد: لقد رآني. فقال: إني فعال لما أشاء. يريد أن الطبيب الذي رآه إنما هو الله عز وجل.
ومعنى ذلك: أن أبا بكر لم يرد أن يستشير طبيبا من الناس، وإنما وكل أمره إلى الله في مرضه، كما كان يكل أمره كله إلى الله أثناء عافيته، وليس يصح ما يروى من أن أبا بكر مات مسموما؛ سمه بعض اليهود في طعام أهداه إليه، وأكل معه من هذا الطعام طبيب العرب الحارث بن كلدة، فلما أساغه قال لأبي بكر: ارفع يدك يا خليفة رسول الله؛ فإن هذا الطعام مسموم، وإن سمه لسنة، وإني أموت أنا وأنت في يوم واحد بعد عام.
لا تصح هذه الرواية، فلو قد صحت لما أهمل أبو بكر نفسه، أو عمر بعده، أن يدعو من أهدى إليه هذا الطعام ويعاقبه؛ لأنه على أقل تقدير قد قتل رجلين من المسلمين، فضلا عن أن أحد هذين الرجلين هو خليفة رسول الله، وما كان عمر ليدع هذه القضية تمضي دون أن يحدث فيها أمرا.
قال الرواة: وكانت عائشة أم المؤمنين تمرض أباها، فتمثلت حين رأته يحتضر قول الشاعر القديم:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى
إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر
فقال لها أبو بكر: ليس كذلك يا أم المؤمنين، ولكن قول الله عز وجل:
وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد .
وفي مرضه هذا طلب إلى عائشة أن ترد مالا كان أعطاها إياه ليجعله في ميراثه؛ تحرجا من أن يؤثر أحد ورثته على غيره، وقال لها فيما قال: إنما هما أخواك وأختاك. قال الرواة: فلم تفهم عنه عائشة؛ لأنها كانت تعرف أخويها عبد الرحمن ومحمدا، وأختها أسماء ذات النطاقين، ولا تعرف لها أختا غيرها، فقال لها أبو بكر: إنما هي ذات بطن أسماء بنت عميس، فقد ألقي في روعي أنها جارية.
অজানা পৃষ্ঠা