والمهم أن أحدا لم يخالف على أبي بكر، لا من بني هاشم ولا من غيرهم، وكل ما يقال غير هذا تكلفه المتكلفون بأخرة حين افترق المسلمون شيعا وأحزابا.
ولا يستطيع أحد أن يقطع بأن عليا كان فيما بينه وبين نفسه يجد على أبي بكر أو على عمر؛ لأنهما استأثرا بالخلافة من دونه؛ ذلك بأنه لم ينبئنا بشيء من ذلك فيما نطمئن إليه من أحاديث الرواة، وعلي أفضل في نفسه وأكرم عند الله من أن يبايع الشيخين بلسانه ويضمر في قلبه غير ما كان يظهر، ونحن نعلم أنه نصح للشيخين أثناء خلافتهما، وأن عمر خاصة قد استعان به في غير موطن، واستشاره في كل ما كان يستشير فيه أعلام المهاجرين والأنصار.
وقد بينا في غير هذا الحديث نصحه لعثمان حين استقام له الناس وحين اختلفوا عليه، وهذا هو الظن بعلي رحمه الله، فهو قد كان من المؤمنين الصادقين الذين أخلصوا سريرتهم وعلانيتهم لله عز وجل، ونصح للمسلمين أصدق النصح وأصفاه من الشوائب ما امتدت له أسباب الحياة، فالذين يظنون به أنه بايع لمن بايع من الخلفاء تقية
7
إنما يتهمونه بما لا ينبغي أن يتهم به رجل أحب الله ورسوله، وأحبه الله ورسوله، فيما يروى عن النبي
صلى الله عليه وسلم
حين دفع إليه الراية في وقعة خيبر.
هذه إحدى المسألتين اللتين ذكرتهما في أول هذا الفصل، فأما المسألة الأخرى فتتصل بما روي عن عمر - رحمه الله - من أنه قال: إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها.
فمن الناس من يتخذ هذه المقالة التي رويت عن عمر - وما أدري أصحت بها الرواية أم لم تصح - وسيلة للقول في خلافة أبي بكر والتشكك في صحتها، وهذا سخف؛ فالمسلمون من المهاجرين والأنصار وممن بقي بمكة أو بالطائف، وممن تفرق في قبائل العرب حين وفاة النبي قد رضوا خلافته وأخلصوا له النصح وائتمروا بكل ما أمر به، وانتهوا عن كل ما نهى عنه .
ولولا ذلك لما استطاع أبو بكر أن يثبت للعرب حين ارتدت، وأن يجند المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان لقتال المرتدين، وحملهم على أن يدخلوا فيما خرجوا منه، وأن يؤدوا من الحق كل ما كانوا يؤدونه إلى النبي
অজানা পৃষ্ঠা