نعم لقد قهرنا الشيطان، وبسطنا السلام في هذا المكان، ولكن ثق أنه حتى في هذه اللحظة يعود متسللا، آه، يا أصدقائي الأعزاء إن أمثالنا من الرجال لن يتبطل عن العمل قط (وقصد بالعمل إخراج الشياطين من المتلبسين بها).
ذلك لأن الاتصال بين الرجل والمرأة أمر طبيعي، ولا يمكن أن يزول من الأذهان مهما تصوف الرجل أو ترهبت المرأة.
يجب أن نفهم مسرحية «الشيطانين» إذن على أنها قصة رجل من رجال الدين، اسمه جراندير يبحث عن الله، بالمحبة، وبالفكر، وبالاستشهاد.
ومن سخرية الدنيا أن نرى في هذه المسرحية هذا الرجل - بعدما أدرك أن الله موجود في كل الوجود، وبعدما زالت من نفسه الشكوك وتبددت الأوهام - مقبلا على الكنيسة يصلي فيها ويتعبد، وإذا برجال الحكم ورجال الدين الذين لا يعرفون الدين على حقيقته يمنعونه من دخولها ويحرمون عليه ارتياد بيوت الله.
و«الشياطين» عنوان صادق للمسرحية؛ لأن المسيحيين في القرن السابع عشر في أوروبا لم يكونوا يعتقدون أنها مبعث الشر فحسب، بل يؤمنون بأنها تدخل فعلا في النفوس، وتستقر في البواطن، ويمكن بطقوس دينية معينة وبشيء من التعذيب إخراج هذه الشياطين من نفوس المتلبسين بها ...
والشيطان يخرج من أي عضو من أعضاء جسم المتلبس به، فيتطهر، يخرج من عينه، أو من كتفه، أو من ضلعه، ويتكلم عن لسانه، وأكثر ما تتم طقوس الإخراج باللاتينية، وذلك من واجبات رجال الدين.
وفي المسرحية شخصيتان بارزتان؛ أما الأولى: فهي شخصية القسيس جراندير، وهو في هذه المسرحية بطل القصة، وأما الثانية: فهي شخصية الأم جان ديزانج رئيسة الدير، التي كانت تكن في صدرها حبا مكبوتا للرجل، وإعجابا به، ولكم قاست من آلام نفسية مبرحة بسبب الشهوة المكبوتة، وقد أرادت أن تنفس عما يضطرم في نفسها فعرضت على الرجل أن يكون مديرا لديرها، ولكنه تأبى نظرا لكثرة ما لديه من أعمال أخرى، وهي لا تكاد تتحدث في موضوع إلا ورد ذكر اسمه على لسانها، تهذي به في صحوتها وفي غفلتها، إذا تحدثت بصوتها، أو تحدث الشيطان على لسانها: جراندير ... جراندير ... جراندير ...
ويرى أحد النقاد أن هوايتنج أخطأ في اختيار جراندير بطلا للمسرحية إذ إن هذه الراهبة كانت أشد منه معاناة وأكثر مكابدة، كما يرى أن تصوير الكاتب لنزعات الراهبات فيه مبالغة في التبسيط، فهو يعرضهن نساء مخادعات، متلبسات بنزعات الشيطان، ميالات إلى الفسق والفجور عن وعي وإدراك، في حين أنهن في الأصل مصابات بالنورستانيا وخداع النفس. وإذن فالصورة التي يرسمها الكاتب لهن لا تتفق والواقع التاريخي، ولعل هذا التحوير في رسم الشخصيات يجعل الموضوع أقل تشويقا منه في حقيقة الأمر.
ولما كشف أمر جان ديزانج اتخذ معها الأساقفة مختلف الوسائل لإخراج الشياطين الكامنة في نفسها، والتي تستأثر بتفكيرها حتى أثناء أدائها للصلاة، وكثيرا ما صور لها الوهم أنها في أحضان جراندير ترتكب معه الفاحشة، فأفقدتها هذه الأوهام طهارتها:
إنه في باطني هنا، كالطفل، إنه لم يكشف لي قط أي نوع من أنواع الرجال هو، عرفته جميلا، وقال الكثيرون عنه إنه بارع، وقال كثيرون آخرون إنه شرير، ولكن برغم كل قسوته على روحي وبدني لم يأت إلي قط بغير المحبة، كلا، دعني أعبر عما في نفسي، أقول إنه في باطني، أنا في قبضة الشيطان، ولكنه ساكن، يرقد تحت قلبي، ويعيش في أنفاسي وفي دمي، وهو يخيفني، أخاف أن أكون قد ارتكبت أجسم الأخطاء في هذا الأمر.
অজানা পৃষ্ঠা