وكانت مريم تسمع كلامه وأطرافها ترتعد من شدة التأثر وهي تفكر في مجيئه إلى هناك هل كان على موعد أو كان ذلك مصادفة؟ وأحبت أن تماطله في الحديث ريثما يأتي هانئ لاعتقادها أنه قادم إليها فقالت: «دع عنك ذلك يا أمير فإن لكل شيء وقتا، وأنتم الآن في حرب فبعد انقضائها يأخذ كل ذي حق حقه.»
فقال: «لا تماطليني بالمحال، ولا تظني أن هانئا سيبلغ منك شعرة، فقد صرت في قبضة يدي ولن يخلصك منها أحد، فالأفضل لك أن تطيعيني وإلا فإني بالغ منك ما أريد قهرا.»
فلما سمعت تهديده عظم عليها الأمر، ولكنها ظلت تحاول مماطلته ريثما يأتي هانئ لثقتها بأن هانئا آت لا محالة، فقالت: «لا أرى باعثا إلى التهديد أيها الأمير، فإن من يعد نفسه أميرا ويفتخر بشجاعته وشدة بأسه لا يليق به أن يهدد فتاة بمثل هذه العبارات، وخصوصا في مثل ما أنتم فيه من الجهاد.»
فضحك بسطام ضحكة استخفاف، وقال: «نعم إني أمير شجاع وساحة الوغى تشهد لي بذلك ولولاي لم يكن لذلك الغلام ذكر بين الرجال، ولا كان لأولئك العرب راية تخفق في هذه البلاد، فإذا علمت ذلك فأقلعي عن ذكر سواي.»
فلما سمعت تعريضه بهانئ وبالعرب، ورأت أن اللين لا يجدي معه نفعا، عادت إلى ما شبت عليه من الأنفة، وقالت: «دع عنك التعريض والتلميح فإنك لست من رجال الأمير هانئ، ولو حضر الآن ما تجاسرت على التحدث في حضرته بمثل هذا الكلام.»
فحملق بسطام بعينيه، ووقف بغتة وأمسك بذراع مريم وضغط بكل قوته كأنه يريد أن يبغتها لعلها تلين فشعر بصلابة عضلها كأنه قابض على حديد، ثم جذبت يدها من قبضته فلم يستطع منعها، ووقفت وهي تقول: «ابعد عني ولا تمسني، فقد بالغت في الاستخفاف حتى نفد صبري.»
فلما شاهد منها هذا الإصرار، ورأى فيها تلك القوة اشتد غيظه وقال لها غاضبا: «لا تعللي نفسك بالمحال، فإني ضاربك بهذا السيف ضربة أقضي بها على حياتك، هل أنت إلا سبية تباعين ببضعة دراهم؟ وقد أخطأت في محاسنتك، فظننت أن المحاسنة ضعف، وأنت تعلمين أن في خبائي عشرات من أمثالك يتمنين رضائي.»
الفصل الثلاثون
المعركة
وهمت مريم بأن تجيب بسطاما، فسمعت ضجيجا في البستان وقد علت الضوضاء، وسمعت رجلا يقول: «إن الأمير هانئا هنا.»
অজানা পৃষ্ঠা