فأدرك هانئ تلميحه إلى مريم فضحك وقد انشرح صدره، وقال: «لا أستطيع إنكار ذلك أيها الأمير؛ لأنه يبدو في كل حركة من حركاتي، وأرجو أن يكون أخي مسرورا معي.»
قال: «إني أسر بكل ما يسرك، وثق أني عون لك في كل ما تريده، ولكنك تعلم ما عاهدت نفسي عليه منذ ركبت هذا المركب الخشن.»
فلم يفهم هانئ مراده، فقال: «وأي عهد تعني؟»
قال: «إني عاهدت الله ألا أقرب النساء قبل أن أفرغ من هذه الحروب أو أن نقطع نهر لوار على الأقل فهل أنت على هذا الرأي؟»
ففهم هانئ مراده، فقال: «نعم إني أعاهد الله على هذا أيضا، وقد كان اهتمامي بالنساء كما تعلم ضعيفا فلم أتزوج امرأة ولا اقتنيت جارية ولولا وقوع هذه الفتاة من نفسي موقعا عظيما ما غيرت رأيي، أما الآن، فأعترف لك أني قد تعلقت بمريم وهي كما ترى أهل لذلك.»
فقطع عبد الرحمن كلامه قائلا: «إنها من خيرة النساء جمالا، وإذا وفقنا إلى ما نرجوه من النصر كنت أول من يسر بظفرك بها، غير أني أرجو أن يبقى ذلك مكتوما عن كل إنسان لأسباب تعلم بعضها وتجهل البعض الآخر، ولا تكلفني التصريح بأكثر من ذلك.»
فأحس هانئ من تلك الساعة بثقل أزيح عن صدره وارتاح باله، وإن كانت إشارة عبد الرحمن إلى الأسباب التي لا يعلمها قد شغلت خاطره قليلا، على أنه شعر بميل شديد إلى مكاشفة مريم بما دار بشأنها مع عبد الرحمن، وذلك طبيعي في المحبين، فإنهم يتلذذون بمكاشفة بعضهم بعضا بأخبار الناس فكيف بما يتعلق بهم ولا سيما ما كان مرجعه إلى تحقيق أمانيهم، وعلى الأخص إذا اؤتمن أحدهم على سر وطلب إليه كتمانه، فإنه يزداد ميلا إلى مشاركة حبيبه الاطلاع عليه، كأنه يعد ذلك إكراما له بشيء ثمين اؤتمن هو عليه.
ثم عاد الأميران إلى السكوت مدة، والركب ماش، حتى دخلوا المعسكر وكان الجند قد فرغوا من اقتسام الغنائم وهم فرحون بما نالوه منها وخصوصا البرابرة لما علمت من مطامعهم وظل الأميران سائرين حتى وصلا خيمة الأمير عبد الرحمن فدخلا، ثم صفق عبد الرحمن فجاءه أحد الغلمان فقال له: «ادع الأمراء إلي هنا الساعة.»
فلما خرج الغلام التفت عبد الرحمن إلى هانئ، وقال له: «لقد علمت من أخبار الجواسيس وغيرهم أن طاغية أكتانيا الكونت أود معسكر بجنده في مضيق دردون على بضع ساعات من هذا المكان، فينبغي لنا أن نبادر بالهجوم قبل أن يتأهبوا للدفاع فإذا غلبناهم وقتلنا أميرهم ذهب عنا نصف العناء في هذا الفتح أو هو العناء كله، ولم يبق من يقف في سبيلها إلى نهر لوار فماذا ترى؟»
قال هانئ: «أرى أن نبادر إلى الحرب، وروح الجند المعنوية ما تزال عالية من أثر النصر.»
অজানা পৃষ্ঠা