قالت: «لا أدري وإذا كان هناك فإنه يكون سجينا.»
قال: «سوف أسعى إليه وأبحث عنه بعد ذهابي برسالتك إلى الأمير عبد الرحمن.»
فأعجبها منه إيثار خدمتها على البحث عن حفيده مع شدة قلقه عليه، فلما فرغت من الطعام أمرت حسانا فجاءها بمداد ، وتناولت منديلا كتبت عليه رسالة إلى عبد الرحمن ودفعتها إلى حسان وقالت له: «سر في رعاية الله، وإذا احتجتم إلي في شيء فإني مقيمة هنا، وأرى قبل ذهابك أن تصلح من شأنك وتتزيا بزي الرهبان لتأمن غوائل الطريق، وأظن أن رفيقنا الراهب سيعود إلى ديره، فاصطحبه وبلغه سلامي.»
فودعها حسان وخرج.
الفصل الرابع والستون
معسكر عبد الرحمن
فلنرجع إلى ما كان في معسكر عبد الرحمن بعد طول سكوتنا عنه وانشغالنا بحديث سالمة تركناهم قرب مضيق دردون بعد أن فر الإفرنج من وجوههم، فمكثوا هناك ينتظرون رجوع سالمة من مهمتها، وقد رأيت ما كان من مقتل بسطام وفشل ميمونة، وعرف القارئ أنها لمباجة بنت الدوق أود، وكانت بارعة الجمال والدهاء كما رأيت، وقد وضعت نفسها موضع السبية خدمة لوالدها فانطلت حيلتها على عبد الرحمن ورجاله، ولولا سالمة لظل أمرها مكتوما، وكانت سالمة قد عرفتها منذ قابلتها في الخباء، ولكنها خشيت أن يكتشف سرها هي فأجلت الأمر حتى تعود، ولو علمت حقيقة مهمتها ما صبرت عن أمرها فظلت ميمونة بعد ذهاب سالمة والكل يعتقدون أنها من وصيفات لمباجة وهي لا تدخر وسعا في عرقلة مساعي العرب بكل سبيل، فلما فرغت يدها من وقعة دردون وتخلصت من التهمة، عمدت إلى أحد شياطينها فبعثت معه إلى والدها كتابا أنبأته فيه عن مهمة سالمة والغرض الذي ذهبت من أجله إلى بوردو وبواتيه وغيرهما، وحرضته على القبض عليها؛ لأنه إذا حبسها فكأنه حبس نصف جيش المسلمين، فلم تدركها المكيدة إلا على أبواب بواتيه كما رأيت، وكانت ميمونة قد تحققت من عجز والدها عن دفع ذلك الجند من العرب بعد ما شاهدته في الوقعتين الأخيرتين بفضل اتحاد القبائل وعجزها عن تفريق كلمتها، فعمدت إلى شيطانها الأحول وبعثت معه إلى والدها تستحثه على الاستنجاد بشارل لعلمها أن أباها لا قبل له بذلك وحده، ومن غريب دهائها واحتيالها أنها كانت شديدة التأثير على والدها لا تكاد تشير عليه بأمر إلا حققه لإيمانه بحكمتها وسعة اطلاعها، وخاصة على أحوال العرب بعد الإقامة بينهم أعواما، ولما جاءه كتابها، كان قد يئس من الفوز وخاف على نفسه، فوافق رأيها مصلحته فبادر إلى الاستنجاد بشارل دوق أوستراسيا، فلبى هذه الدعوة لعلمه أنه إذا انتصر على المسلمين انتصر على أود وملك فرنسا كلها.
أما عبد الرحمن فلما طال غياب سالمة مل الانتظار، وبعث يبحث عنها في بوردو فعلم أنها خرجت منها منذ أيام، وكانت مريم مع تعلقها بهانئ واستغراقها في لجج العواطف أشد الجميع قلقا على والدتها، وكان هانئ يختلس الفرص في أثناء الإقامة هناك ويجتمع بمريم، إما في الخباء أو في الصحراء، ويتحادثان ويتشاكيان في غفلة من الرقباء، وعبد الرحمن يغض النظر، حتى تمكنت المحبة بينهما وكادا يتناسيان الحرب وأسبابها لو لم يكن زواجهما متوقفا عليها وعلى اختراق أكيتانيا إلى نهر لوار، ولذلك فإن هانئا لم يكن يفتر عن تحريض عبد الرحمن على السير قبل فوات الفرصة واستعداء الأعداء، وعبد الرحمن يأخذ الأمر بالتؤدة والتأني حتى جاءهم الجواسيس ذات يوم بخبر استنجاد أود بشارل، فعقد عبد الرحمن مجلسا من الأمراء حضره هانئ وأطلعهم على الخبر، فقال هانئ: «وهذا ما كنت أخشاه، ولذلك كنت أستعجل الأمير في التقدم.»
فقال عبد الرحمن: «فالذي أراه أن نبادر حالا إلى المسير.»
قال هانئ: «هذا هو رأيي.»
অজানা পৃষ্ঠা