والغريب أن ليل رغما عن مضادته لمذهب تحول الأنواع في كتابه «مبادئ الجيولوجيا»، هو الذي مهد له السبيل بنقضه مذهب النكبات العامة المعول عليه قديما في علم الجيولوجيا؛ لأنه لما بين ليل وحده فساد مذهب النكبات الأرضية العامة المفاجئة، وبين مع فربس شدة تأثير التربة والإقليم في الأجسام الحية، لزم ضرورة أن تشتهر آراء لامرك وجفروي أيضا، ولو كانت على ضد مشرب الطبيعيين وبعض الناس؛ لأن معرفة الأحوال في تكوين الأرض لا بد أن تتناول تكوين العالم العضوي المنتشر فوقها، واستمرار الحال الواحدة يقتضي استمرار الثانية.
فعاد العلماء إلى البحث في هذه الآراء، ولكن واحدا واحدا وعلى سبيل التستر. ودارون يذكر لنا في مقدمته أسماء كثيرين منهم موافقين على رأيه، وفيهم بعض أفاضل لاهوتيي الإنكليز.
وما زال الاعتقاد بوجود علاقة شديدة بين جميع الصور العضوية، وبتسلسلها بعضها عن بعض ينحت أذهان بعض الفلاسفة في السر، حتى حان لهم أن يجاهروا بحقيقته مستندين فيه إلى الحوادث المقررة.
فأذاع ويليم هربرت في سنة 1837 أن أنواع النبات ليست إلا تباينات مرتقية، وكذلك أنواع الحيوان. ثم في سنة 1844 ظهر في إنكلترا كتاب «آثار الخلق» الشهير، وقد طبع مرارا والطبعة العاشرة في سنة 1853، بسط فيه مؤلفه - وقد أخفى اسمه - وجود عاملين يعملان التغيير في الأحياء؛ أحدهما: أحوال الحياة الخارجية، والثاني: القوة المتصلة بالجسم الحي، وهي ذاتية مستقرة فيه تدفعه إلى الترقي، فمن هذين المبدأين يستنتج المؤلف أن الأنواع غير ثابتة.
وفي سنة 1846 قال أحد أفاضل علماء الجيولوجيا في البلجيك «دوماليوس دلوي» في رسالة أثبتت في سجل جمعية بروكسل الملكية، ما معناه أن الأنواع الجديدة متكونة بالتسلسل لا أنها خلق خاص، وذكر أنه أبدى هذا الرأي من سنة 1831.
وفي سنة 1852-1858 استنتج هربرت سبنسر أحد مشاهير علماء الإنكليز مما قرره الاختبار، ومن التدرج العمومي المتبع في الطبيعة بعد أن قابل بين مذهبي الخلق والتحول، أن الأنواع لا بد أن تكون قد تغيرت للتغيرات الحاصلة في الأشياء التي من خارج.
وفي سنة 1852 قال «نودن» أحد أفاضل نباتيي فرنسا: «إن الطبيعة كونت الأنواع كما نكون نحن التباينات.»
وفي سنة 1853 قال الكونت «كيزرلين» في تفسير ظهور الأنواع الجديدة بفعل جسم ميازمي، قد ينتشر في بعض الأحيان على الأرض فربما لقح الجراثيم التي تولد الأنواع، ومهما يكن من غرابة هذا الزعم فما هو إلا وسيلة لتفسير الشيء تفسيرا طبيعيا.
ثم بعده بسنتين - أي في سنة 1855 كما يقول دارون - بحث الفاضل «بادن بادل» في فلسفة الخلق في كتابه «وحدة العالم»، وبين جليا أن ظهور أنواع جديدة في الخلق ليس من العجيب، بل بالضد هو شيء قياسي.
فدارون اقتفى آثار ليل في علم الجيولوجيا، وكلاهما فتحا لنا السبيل لفهم أعظم أعمال الطبيعة.
অজানা পৃষ্ঠা